المؤشر العقاري السعودي: إن يأتي متأخراً خير من ألا يأتي أبداً!
في الميدان الاقتصادي، لا يستثنى أي قطاع أو جهة من مسؤولية توفير معلومات دقيقة وعلى درجة عالية من الكيف والكم والتوصيف الذي يتفق مع أساسيات تقييم المعلومات من قبل المهتمين والمستثمرين بجانب الحرص على كفاءة القطاع والسوق التي تحدد في النهاية كفاءة الاقتصاد الكلي. فإذا كانت المعلومات والبيانات والمؤشرات المتعلقة بنشاط أو قطاع اقتصادي يشوبها بعض الغموض والتداخل وعدم الدقة في تقديم المعلومة، فإن النتيجة النهائية المترتبة على هذه المعلومات تعد كارثية لكل من صغار وكبار المستثمرين والمواطنين لأن مخرجات القرار الاستثماري المستقبلي تعتمد على جودة مدخلات البيانات والمعلومات والمؤشرات التي يبنى عليها القرار النهائي والتي تشكل أساس اتخاذ القرار. فللمواطن البسيط، والأفراد المستثمرين، وأيضاً كبار المستثمرين، تشكل المعلومات والبيانات والمؤشرات التي تعكس حال السوق بدقة وموضوعية أرضاً يرتكز عليها بثقة للانتقال لخطوات تالية لها أهمية كبيرة تتعدى منفعة المواطن لتطول صحة ونمو الاقتصاد الوطني ككل.
ولتوافر أمثلة ناجحة على النمو الاقتصادي الكلي المعتمد على قيادة القطاع العقاري مثل سنغافورة وبولندا والإمارات - بريادة دبي في هذه الفلسفة، فإن القطاع العقاري يعد من القطاعات المحورية للتنمية كونه يشكل ركناً أساسياً لتكامل وجودة البنية التحتية إضافة إلى دوره الكبير في رفع مستويات الرفاه الاجتماعي وإيصال عوائد النمو الاقتصادي لعموم المواطنين. فالمتوقع من التنمية العقارية أن تغطي الأهداف الاقتصادية الآنية المتعلقة بالنمو السريع بما فيه توزيع عوائد النمو والعدالة الاجتماعية ثم ترتبط مع تشكيل البنية التحتية وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي المستقبلي في المديين المتوسط والطويل. وكمثال محلي، يعد تسهيل امتلاك المساكن والعقار في منطقة قريبة لمشروع "الجبيل 2" هدفاً استراتيجياً لن يؤدي فقط إلى توفير المساكن لطالبيها من موظفي الشركات العاملة في المنطقة المذكورة، بل يتعداه إلى تحفيز التوظيف وتشجيع الكفاءات للحصول على وظائف في شركات قريبة لمنطقة عقارية مطورة وواعدة بإمكانهم السكن فيها. إذن، فالتأثير متعاكس الاتجاه، فكما يؤدي العمل في شركة ما إلى سعي منسوبيها للحصول على سكن قريب، فإن تواجد بنية تحتية ممثلة في مناطق سكنية وخيارات عقارية متكاملة وقريبة إلى موقع العمل ستؤدي إلى نمو المنطقة العقارية وتشجيع طالبي الوظائف للانضمام إلى الشركات العاملة في المنطقة الصناعية، خصوصاً أن آلية التقييم كلية ومتعددة الجوانب، حيث يستحوذ السكن على جزء كبير منها.
وبناء على ضرورة توافر المعلومات والبيانات الاقتصادية بجانب محورية القطاع العقاري وأهميته، فإن توفير بيانات، معلومات، ومؤشرات اقتصادية ومالية تصف أداء القطاع العقاري بدقة كمية ونوعية يعد من المهام الأساسية للمؤسسات المشرفة على الاقتصاد الكلي. فكما نتابع أرقام مؤشر سوق الأسهم للحصول على نظرة عامة وشاملة لسوق الأسهم تلخص الأداء وتحركات مكونات المؤشر وشركات السوق بمختلف القطاعات، من المهم أن يتوافر لنا مؤشر مشابه لمؤشر سوق الأسهم يتحلى بالدقة والموضوعية في توصيف السوق العقارية.
وآخذاً في الحسبان الاختلاف بين طبيعة سوق الأسهم وسوق العقار، فمهمة تصميم مؤشر عقاري ليست باليسيرة أبداً نظراً لتجانس الوحدات العقارية، اختلاف التسعير بين الأحياء والمناطق مقارنة بتجانس أسهم الشركة الواحدة، والحاجة إلى توحيد المعايير المحاسبية ومقاييس الإفصاح المنصوص عليها نظاماً. فعلى سبيل المثال، يختلف تقييم المساكن ضمن فترة زمنية معينة تبعاً لعدد كبير من المتغيرات قد تتضمن حالة توافر البنية التحتية من ماء وكهرباء أو تبعاً لجودة البناء وأسعار المقارنة مع الأرض الفضاء وسعر وحدة الميتر المجاورة للعقار وخلاف ذلك من المتغيرات.
وبأخذ أزمة الرهن العقاري الأمريكي ونظام الرهن العقاري السعودي المزمع إشهاره في الحسبان، فمن المهم أن تتم صياغة وتصميم مؤشرات القطاع العقاري السعودي وتحركاته من قبل جهات رسمية تعتمد في منهجياتها على أساليب مقبولة عالمياً تتسق مع متطلبات الإفصاح والموضوعية القياسية بجانب نشر تفاصيل احتساب المؤشر وآليات تعديله بما يتفق مع الهدف النهائي المتمثل برفع كفاءة القطاع العقاري ورفع مستويات الثقة فيه إضافة إلى توفير صورة واضحة للمواطنين والمستثمرين.
كما أن البيانات المتوافرة عن القطاع العقاري السعودي حالياً محدودة جداً ولا تتعدى ما تطالعنا به الصحف من تحركات "المؤشر العقاري" الصادرة عن الإدارة العامة للحاسب الآلي في وزارة العدل لكتابة العدل في المناطق المختلفة. وما تصفه وسائل الإعلام أو حتى إدارة الحاسب الآلي بالمؤشر العقاري لا يتعدى كونه ملخصاً لبيانات ومعلومات لا ترتقي لأن تكون مؤشراً لأنها تشكل قيم الصفقات العقارية، عددها، مبالغها، والمساحات التي تضمنتها كبيانات منفصلة وقائمة بذاتها، دون أن يتم الربط بينها أو دمجها مع غيرها من البيانات والمعلومات لتشكيل مؤشر عقاري حقيقي يستند إليه.
وأخيراً، أرى أن مهمة إصدار مؤشر عقاري دقيق وموضوعي يغطي جميع مناطق المملكة بمنهجية تنسجم مع المعايير العالمية يجب أن تناط بجهة مختصة كوزارة الاقتصاد والتخطيط، خصوصاً أن صدور مؤشر عقاري من قبل جهة رسمية وموثوقة سيرفع كفاءة السوق العقارية والشفافية المطلوب توافرها وسيعمل على تقليل التفاوت غير المنطقي في تقييم أداء السوق العقارية ومستقبل أسعار الوحدات السكنية التي تهم المستثمرين والمراقبين.