التفاوض لاستئجار عقار
تمر السوق العقارية بشكل عام بثلاث حالات مختلفة، ويطلق عليها «سوق متوازنة» و«سوق بائعين»، و«سوق مشترين»، أما سوق البائعين فهي في وقت ازدهار السوق وانتعاشها وتتميز بالارتفاعات المتتالية في أسعار العقارات، ومن أبرز علاماتها أن فترة عرض المنتج العقاري حتى بيعه تكون قليلة، فلا يكاد العرض يظهر في السوق إلا وقد اطلع عليه عديد من المشترين الراغبين وتنفذت الصفقة خلال أيام أو أسابيع قليلة كحد أقصى، وبهذا يتضح لنا مسمى "سوق البائعين" لأن الغلبة فيها للبائع. أما سوق المشترين فتتسم بقوة المشتري على التفاوض وقلة الطلب على المنتجات العقارية، وتتصاحب مع فترات الركود الاقتصادي بشكل عام، ويكثر فيها العرض ويرضى كثير من البائعين بالتنازل عن الأسعار لجذب المشترين وتطول مدة عرض المنتج العقاري وقد تزيد مدة عرضه عن السنة أو أكثر. أما السوق المتوازنة فهي التي تكون متوازنة بين المشترين والبائعين وكلا الطرفين لديه قوة بالتفاوض ويكون عرض العقار فيها لا يتجاوز الأشهر حتى يتم بيعه، ومن خلال استعراض الحالات الثلاث سيتبادر إلى الذهن وفقا للحالة الراهنة للسوق العقارية أنها سوق مشترين، وأن قوة التفاوض في مصلحة المشتري أو المستأجر نظرا لتوافر الخيارات وتكيف كثير من الملاك مع الأوضاع الحالية، لذلك لا بد للمستأجر من استغلال الظروف ومحاولة التفاوض عند اقتراب انتهاء عقد الإيجار، لكن من المهم التفاوض وفقا لمنهجية واضحة حتى تكون النتائج بناءة ومجدية.
أول خطوة في التفاوض معرفة حالة السوق المجاورة، فلا بد أن تبدأ بالبحث عن العقارات المشابهة لعقارك المستأجر حاليا، ومعرفة أسعار التأجير في الحي أو الأحياء المستهدفة، وفي هذه الخطوة لا بد من مراعاة الفروقات والتفاصيل التي يغفل البعض عنها، ومنها المساحة، فقد تكون المواصفات لشقتين سكنيتين متشابهة إلى حد كبير، لكن مساحة الغرف أكبر في إحداهما، أو أن إحداهما يتوافر فيها المطبخ والمكيفات، أو أخرى يتوافر لها مدخل خاص، وعمر الشقة أو العمارة، وحداثة التصميم ومستوى التشطيبات، وتوافر المواقف الأرضية من عدمه، وهذه المواصفات مؤثرة في التفاوض ولذلك لا بد من التدقيق فيها والتأكد من مواءمتها مع العقار الحالي، وتحديد ما إذا كانت بعض المواصفات الإضافية مهمة لك ومستعد أن تدفع مقابلها أم لا، وفي هذه الخطوة لا بد أن تحصل كحد أدنى على خيارين مناسبين لك من حيث المواصفات والأسعار تبدأ بهما مشوار التفاوض.
الخطوة الثانية، لا بد من حساب تكاليف النقل المتوقعة وأي مصاريف إضافية تحتاج لأن تبذلها في المكان الجديد لجعله مناسبا لك ولعائلتك، والكثير يغفل عنها ويتفاجأ بأن الانتقال أصبح مكلفا عليه في تلكم السنة أكثر من دفعه نفس مبلغ إيجاره القديم.
الخطوة الثالثة، بعد معرفة السوق والتأكد من وجود عروض جيدة ومشابهة لعقارك الحالي، والتأكد من حجم الإنفاق والمصاريف التي ستتكبدها مقابل النقل، تبدأ خطوة التواصل مع المالك، ويفضل أن تكون قبل شهر كحد أدنى من انتهاء الإيجار، وعند التواصل مع المالك أو مدير الأملاك لا تكن فظا في طلبك، وأخبره أنك تقدر أن هناك خسارة جزئية تقع عليه بسبب خفض الإيجار، لكن في المقابل هذا هو حال السوق وظروفها، وأعطه بعض الأمثلة عن الشقق التي وجدتها وسعر إيجاراتها بأسلوب الإخبار والعلم وليس بأسلوب التحدي. وأبلغه بالإيجار الجديد الذي يناسبك، وهذا الإيجار المطلوب لا بد أن يتناسب مع السوق ووضعها من خلال بحثك الذي أجريته في الخطوة الأولى، وإلا وقعت في حرج الرفض وإعادة التفاوض من جديد أو الاستسلام. كذلك من المهم توضيح أنك تنتظر الرد خلال أسبوع مثلا حتى تستطيع ترتيب أمورك في حال قررت الرحيل إلى الخيارات الأخرى المناسبة.
وأخيرا، لا بد أن تضع في الاعتبار أن تقسيم السوق العقارية مختلف، فليس شرطا إن حصل قريبك أو صديقك على تخفيض من سعر الإيجار بنسبة 20 في المائة فستحصل على مثله، ولذلك لا بد أن تستند عند تفاوضك إلى بيانات ومعلومات واقعية من السوق نفسها التي تستهدفها، فلكل حي أو منطقة حجم طلب وعرض مختلف، ونوعية مستأجرين مختلفة، وعقلية ملاك ومستثمرين مختلفة كذلك.
الخلاصة، من الممكن أن تبدأ التفاوض حالا مع المالك دون أن تبحث أو تمحص، وقد تحصل على هدفك المنشود دون أي جهد، فلا ضير من محاولة، لكن بالنسبة إلي فالأفضل الاستناد إلى وقائع وحقائق من السوق المستهدفة، ومحاولة معرفة المستجدات في سوقك العقارية، وقد تكون مرتاحا مع المبلغ الذي تدفعه، لكن قد توجد عقارات مواصفاتها أفضل بنفس هذا المبلغ ظهرت خلال المدة القليلة الماضية، ولذلك لا ضير أبدا من تحديث المعلومات ومن المفاوضة، لكن بعد ضبط التكاليف ومعرفة السوق بشكل جيد.