الضريبة والعقار
تختلف أنواع الضرائب على العقار، فمنها ما يستحق سنويا مقابل الخدمات العامة والبلدية، ومنها ما يستحق عند نقل الملكية مثل ضريبة توثيق الملكية وضريبة القيمة المضافة، وفي السعودية بدأ هذا المفهوم الجديد في الدخول إلى الأسواق المختلفة ومن أهمها السوق العقارية، التي تعتبر إحدى أهم وأكبر الأسواق نظرا إلى ارتباطها بحاجة بشرية ماسة هي الملجأ والسكن، وكذلك كونها أكبر استثمار يمكن أن تلتزم به الأسرة نظرا إلى ضخامة حجم المبالغ مقابل الدخل وطول مدة الالتزام، التي قد تصل إلى 30 سنة في حال التمويل العقاري، ولذا فقد راعى كثير من الدول المتقدمة ألا تتعارض مصالح الأسر ذات الدخل المتوسط وأقل مع سياساتها المالية مثل الضرائب، بل تحاول أن تحفز تملك السكن عن طريق فرض تفضيلات ضريبية لمن يشتري مسكنه لأول مرة. في المقابل هناك دراسات أثبتت أن فرض الضرائب المختلفة قد يحد من المضاربات العقارية ولا سيما تلك التي تفرض عند عملية انتقال الملكية، وهذا الأمر صحيح، إلا أن فريقا آخر يرى أن في فترة فوران الأسواق ودخول المضاربات غير العقلانية حيث تحدث الارتفاعات خلال أيام أو أسابيع بسيطة، فإن هذه الضرائب يمكن امتصاصها بسبب شدة حماس المضاربة دون النظر إلى أساسيات السوق واعتباراتها، وهنا يكون المستفيد الأكبر من هذه الضريبة هو خزينة الحكومات، التي قد تكون - نوعا ما - لديها مصلحة من وراء بقاء ارتفاع أسعار العقار لأن دخلها سيزداد، وهذا ما أثبتته دراسة في الصين، توصلت إلى أن الإدارات الحكومية لبعض المدن الصينية التي تمتلك الأراضي تقصدت بشكل أو آخر الحد من المعروض من الأراضي في تلك المدن، ما أدى إلى ارتفاعات متوالية، استفادت منها خزينة حكومة المنطقة بسبب زيادة الإيرادات الضريبية وكذلك ارتفاع قيمة الأراضي التي تملكها، وهنا أصبحت الحكومة تضر التنمية بشكل قد يكون غير متعمد في بعض الأحيان.
مجموعة الضرائب والرسوم التي أقرت أخيرا في المملكة، لا شك أنها جاءت بسبب الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل، وهذا مفهوم، لكن المطلوب هو دراسة أثرها بدقة ومتابعة المستجدات والمتغيرات التي لا يمكن تخيلها أو وضعها في السيناريوهات المختلفة للآثار المتوقعة، إلا بعد حصولها على أرض الواقع، ولذا فالحاجة إلى تكاتف الجهود لمتابعة الآثار والمتغيرات لهذه الأنظمة أعظم وأكبر بكثير من جهد إخراج النظام وفرضه، لذا أعتقد أن على الأجهزة الحكومية المتخصصة في القطاعات المختلفة مثل وزارة الإسكان والهيئة العامة للعقار في حال السوق العقارية مسؤولية جسيمة لمتابعة سلوك المتعاملين في السوق، وتوضيح الآثار السلبية عند وقوعها أولا بأول، حتى لا تتفاقم وتصبح مشكلة من الصعب السيطرة عليها. فمثلا من المستغرب أن تكون سياسة الإسكان محفزة للتملك وتحاول أن تدفع السوق إلى توفير وحدات وقطع الأراضي السكنية بأسعار مناسبة، ثم تباغتها هيئة الزكاة والدخل بفرض ضريبة قيمة مضافة على جميع من يريد شراء وحدة سكنية، "وإن كان يشتري لأول مرة"، وللأسف لم نجد مراعاة لهذه الشريحة المهمة التي ترغب في الاستقرار والالتزام طويل الأجل بقروض عقارية، وكذلك فهي تحقق إحدى أهم سياسات الدولة برفع نسبة التملك للسكن، وهذا يوضح نوعا من التضارب بين الجهات المختلفة وسياساتها، حيث لم تراعِ هيئة الزكاة والدخل تنوع الراغبين في شراء الوحدات السكنية، فوضعت المضارب والمستثمر مع الراغب في السكن لأول مرة، وهذا لا يستقيم أبدا، فاليوم نجد أن تكلفة الشراء ارتفعت على المشتري للسكن لأول مرة، لتكون 5 في المائة ضريبة قيمة مضافة و2.5 في المائة سعي للوسيط العقاري، إضافة إلى حاجته إلى دفع 15 في المائة من قيمة المسكن كدفعة أولى في حال التمويل، وهذا يعني إضافة 5 في المائة بشكل مباشر على أسعار المساكن التي تعد في الأصل أكبر من قدرة الغالبية من المواطنين حاليا، فلو أخذنا كمثال وحدة سكنية سعرها 500 ألف وأضفنا إليها 2.5 في المائة سعي وكذلك أضفنا ضريبة القيمة المضافة إلى السعر والسعي فسيكون إجمالي السعر شاملا التكاليف الإضافية 538.125 ريالا، ولو كان الشراء عن طريق التمويل ويجب تسديد الضريبة مقدما من المستهلك، فيعني أن الدفعة الأولى سترتفع إلى 100 ألف بدلا من 75 ألفا، وإن كانت جهة التمويل ستدفع الضريبة وتقسطها على المشتري فستكون خسارة على جهة التمويل ألا تحصل على أرباح هذه الأموال التي تم دفعها اليوم، ويتم استردادها على المدى البعيد، إلا أن تحمل المشتري أرباح التمويل كذلك وهذا المفترض ألا يحصل.
الخلاصة، من المهم عند فرض الضرائب كسياسة مالية مراعاة المتغيرات الخاصة بها، وجعلها إحدى الدعائم لسياسة الدولة العامة، حيث كان من المتوقع استثناء من يشتري مسكنا أو قطعة أرض سكنية لأول مرة، وكذلك من الجيد استثناء المطورين للوحدات السكنية من الضريبة والرسوم الأخرى لجعل هذا القطاع جاذبا للاستثمار، وحتى لا يتحمل المستهلك النهائي تبعات هذه الرسوم والضرائب عند شراء السكن، الذي يعد حاليا أعلى من قدرته الشرائية بكثير.