المسؤولية البيئية للمنشآت العامة والخاصة
تشغل المباني الحكومية والخاصة مساحات كبيرة من الرقعة العمرانية في المدينة، ومع ذلك لا يوجد في عديد من تلك المباني اعتبارات بيئية تحاول تعزيز صحة الموظفين، وكذلك ربط الموظفين بالطبيعة وتقليل تكلفة المشروبات والصرف على المشروبات والأغذية من خلال بعض المبادرات التي قد تسهم في تحسين الوضع العام، وإضفاء نوع من البعد الإنساني وبعد الطبيعة في مبان صماء خاوية، تصرف وتهدر مياها وطاقة في النهار وأحيانا بالمساء كذلك، في وقت يمكن الاستفادة من تلك الطاقة المهدرة والموارد، وكذلك العمالة الموجودة في تلك المباني، لعمل بعض المشاريع البسيطة التي تعود بالنفع على الجميع، وعلى البيئة تحديدا.
تتمثل الفكرة في توسيع وتنويع المزروعات في تلك المنشآت مستغلين المياه الموجودة التي تصرف أحيانا على الزهور التي تحرقها الشمس أو الأشجار التي ليس لها فائدة تذكر، في حين أن بيئتنا المحلية مملوءة بالأشجار والنباتات العطرية الجميلة، التي يمكن استخدام كثير منها كمشروبات مفيدة ومغذية، بل يمكن التوسع كذلك في إيجاد مساحات بسيطة للزراعة في الأسطح لبعض النباتات والخضراوات.
توجد المنشآت العامة والخاصة في مختلف مناطق المملكة في قلب المدن والأماكن الأساسية فيها، وهي أماكن تكثر فيها الحركة والمباني والتلوث وتقل الرقعة الخضراء، وتستهلك تلك المباني قدرا كبيرا من الطاقة والمياه في تشغيلها، ويهدر جزء من تلك المياه مثلا على مزروعات أو أشجار ذات شكل جميل لكن ليست ذات فائدة عملية للموظفين والعاملين بتلك المنشأة.
والسؤال هنا كيف يمكن الربط بين الموظفين وبين المبنى الذي يعملون داخله بشكل يضيف لمسات إنسانية، ويزيد في إنتاجيتهم ويجعل هناك نوعا من التواصل، إن تلك المشروبات النافعة مثلا للموظفين أو حتى ضيوف المنشأة تمت زراعتها في المكان نفسه، أو تلك الوجبات الصحية، تمت زراعتها في المكان نفسه وهي توزع بشكل مجاني أو برسوم بسيطة، كيف يمكن فعليا استغلال تلك المساحات لزراعة أشجار مفيدة تعود بالنفع على الموظفين في تلك المؤسسة؟
يمكن ضرب مثال حول ذلك في زراعة الريحان وزراعة النعناع وزراعة الحبق أو غيرها من النباتات النافعة والنابعة من بيئتنا المملوءة بأشجار مفيدة وصحية، التي يمكن استخدامها كمنظر جمالي وفائدة بشربها أو رائحتها الجميلة، وهنا تكون الفائدة مضاعفة، بل يمكن الذهاب لما هو أبعد من ذلك حيث يمكن زراعة بعض الخضراوات والفاكهة التي يمكن للعمالة التي تعمل في تلك المنشأة رعايتها وجنيها وتقديمها للموظفين، بل أن يقوم الموظفون أنفسهم دون إخلال بأوقات العمل ومهامهم بجني تلك الثمار أو أخذها لمنازلهم وأكلها خلال عملهم.
تطرح الفكرة نمطا غير تقليدي في التعامل مع المباني الخاصة بالعمل، وتحديات كذلك أمام تنفيذها من بيروقراطية وأنظمة قد لا تحفز مثل تلك الأعمال وغيرها من الأسباب التي قد تطرح قلقا بخصوص صحة ونظافة تلك المنتجات بوجودها في تلك المنشآت من نظافة مياه السقيا أو التلوث وغيرها.
تعتبر مثل هذه المبادرة نمطا من المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والمسؤولية البيئية وتحسين نمط الموظف وتحسين بيئة العمل، حيث تسهم تلك الأشياء البسيطة، في حفظ المياه وإنتاج مخزون غذائي يفيد العاملين والموظفين وفي الوقت نفسه يوجد محتوى خاصا بالذكريات الجميلة للموظفين، فلو تم تطبيق مثل تلك الفكرة بنجاح، يمكن أن يكلف طبق السلطة الواحد في بعض المطاعم حتى 30 ريالا، ولكن هذا الطبق من السلطة الذي يعد مما تزرع الجهة أو المؤسسة يكلف أقل من ثلاثة ريالات بالتالي ستسهم هذه المبادرة في إيجاد أجواء جميلة حيث التعامل مع الثمار والأشجار حتى من قبل الموظفين أنفسهم.
وجود تلك النباتات ذات الرائحة الجميلة والعطرية يسهم في خفض التوتر، وإضفاء لمسة جمالية على المكان، تسهم في رفع الروح المعنوية وخفض التوتر والضغط في العمل وتسهم في تعزيز روح الفريق، وفي الوقت نفسه تعمل على «أنسنة» تلك المباني التي قد تخلو أحيانا من اللمسات الجمالية والإنسانية.
يمكن كذلك أن تخفف هذه المشاريع قيمة المصروفات على الشاي والقهوة وغيرهما واستبدال تلك المشروبات بمشروبات أخرى صحية ومفيدة أكثر تفيد الإنسان وصحته مثل الزعتر والبابونج وكثير من النباتات العطرية المفيد شرابها خلال أوقات العمل. ستدفع مثل هذه المبادرة جهات أخرى إلى التوجه نحو الزراعة المفيدة، حيث إنها تسهم في إيجاد ذكريات جميلة تتعلق بالمكان والزمان وإنتاجية العمل. وبالله التوفيق.