أكل الجبن أم المشاركة في صناعته؟

هناك نقاط لم يسعفني الوقت للتوسع في ذكرها في مقالي السابق "هل سيفرز عام 2018 نمطا جديدا من وزرائنا؟"، فنقد أداء البعض لا يعني إطلاقا تقليلا من قيمة أداء الكل. فالتبعيض في اللغة العربية لا يمثل كثيرا وإنما جزءا، ولا يوجد -على حد علمي- جهاز حكومي في العالم تتمتع جميع وزاراته بالأداء نفسه. فمن الجوانب المشرقة المرتبطة بتحقيق "رؤية المملكة 2030"، أن وزارة العدل -مثلا- أحدثت خلال الفترة الماضية نقلة نوعية في خدماتها، وفي الجانب الآخر أقر بعض المسؤولين بضعف أداء وزاراتهم في تحقيق جوانب مرتبطة بالـ«رؤية». المهم ليس توجيه النقد لأداء جهة حكومية وإنما لأجل ضمان أننا نسير على خطى ثابتة ومتسارعة أحيانا من أجل تحقيق "رؤية المملكة 2030".
لذا تم إنشاء المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة للتأكد من تحقيق الأجهزة الحكومية المخرجات المتوقعة منها وغيره من المراكز والمبادرات الوطنية التي تسعى لتحقيق "رؤية المملكة 2030". وحسبما ذكرته في المقال السابق أن معيار أداء القطاع الحكومي سيكون ليس على استهلاك الجبن وطلب مزيد من الجبن وفقا لكتاب "من أكل قطعة الجبن الخاصة بي"، ولكن وفقا للمشاركة في صناعة الجبن واستشعار مسؤولية إيجاد البدائل التي ستساعد على إيجاد صناعات أخرى غير الجبن.
الجميل أن المركز مرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء ما يعطي المركز قوة ورسالة واضحة أن قياس الأداء سيتم من أعلى سلطة في البلد، كما أن من الجميل أيضا أن المركز لا يكتفي بقياس الأداء وفقا للتقارير التي تصدرها الجهات الحكومية فقط -على الرغم من أهميتها- وإنما سيقيس الأداء وفقا لثلاثة محاور رئيسة:
الأول: قياس تحقيق الأهداف والمستهدفات من كل جهاز من أجهزة الدولة وفق معايير تقيس أهداف كل جهاز ومخرجاته المتوقعة منه.
ثانيا: قياس تحقيق المبادرات: ويتم من خلاله قياس ما تم إنجازه وفقا للمبادرات المعتمدة من كل جهاز وفقا لـ"رؤية المملكة 2030".
ثالثا: قياس رضا المستفيدين: وهذا المقياس جديد على قطاعاتنا الحكومية لأننا في السابق كنا ننظر لتقارير الأداء من قبل الجهة المقدمة للخدمة وبشكل خاص التقرير السنوي دون التفاتة حقيقية لمدى أثر هذه الخدمة في المستفيدين منها على الرغم من أنهم الأساس الذي من أجلهم وضعت الخدمة.
هذه المحاور الثلاثة تقيس الأهداف والمخرجات من كل جهاز وفي الوقت نفسه تقيس مدى إسهام مبادرات كل جهاز حكومي في تحقيق «رؤية المملكة»، وكذلك قياس الأداء بناء على رضا المستفيدين من خدمات كل جهاز.
هذه المعايير الثلاثة تتكامل فيما بينها من أجل ضمان أن يتم قياس أداء كل جهاز حكومي بشكل شمولي.
البعض مع الأسف لم يستوعب هدف التغيير في آلية اعتماد الميزانيات من ميزانيات تعتمد على المدخلات إلى ميزانيات توضع وفقا للمخرجات. فالأبواب الأربعة في الميزانيات قد لا تكون لها قيمة حقيقية إذا لم ينعكس أثرها على المواطن بشكل مباشر. لذا فالميزانيات الحالية تسير نحو التحول من ميزانيات تعتمد على المدخلات line items budget إلى ميزانيات تعتمد على المخرجات performance ووفق معايير الأداء.
أعتقد أن إنشاء مركز وطني لقياس أداء الأجهزة العامة سيشكل نقلة نوعية في أداء الأجهزة الحكومية على المديين المتوسط والبعيد خصوصا بعد تحديد معايير الأداء التي سيقاس في ضوئها أداء كل جهاز حكومي. هذه المعايير ستحفز الأجهزة الحكومية ليس فقط في تغيير أداء عملها لكن أيضا في آلية استقطابها للموارد البشرية التي ستساعدها في تحقيق أهدافها، فلن يعد التقرير السنوي الذي تصدره الجهات الحكومية الآلية الوحيدة التي سيعتمد عليها عند تقييم أداء الوزارات الحكومية والأجهزة العامة الأخرى لأن التقييم سيتم وفق آليات محددة ودقيقة. ولعل زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأخيرة وشكره للشباب العاملين في محطات تحلية المياه لإسهامهم في زيادة الإنتاج من 3.5 مليون متر مكعب إلى خمسة ملايين متر مكعب خلال العامين الماضيين دون زيادة في التكاليف الرأسمالية يعطي دلالة واضحة منه على أن الشكر سيكون وفقا للإنجاز ووفقا للمشاركة في رفع كفاءة الأداء. زيارة ولي العهد لمحطات تحلية المياه أبلغ من أي خطاب، فالتشمير عن الساعد ورفع كفاءة الأداء من أهم عوامل كسب ثقة قيادة هذه البلاد. فهل وصلت الرسالة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي