ضحايا «السايبر»
مصطلح "السايبر" يعني سعر الفائدة بين المصارف السعودية وهو اختصار للعبارة الإنجليزية Saudi Arabian Interbank Offered Rate، وهذا يعني ببساطة تكلفة تبادل الأموال بين المصارف ويمثل الحد الأدنى للإقراض، لكنه أصبح في الآونة الأخيرة قضية رأي عام بعد أن قامت جهات التمويل برفع أقساط التمويل العقاري بناء على تغير هامش الربح الذي يعتمد على "السايبر" ولذلك سميت القضية بضحايا "السايبر"، لأن أغلب المواطنين الذين ارتضوا هذا التمويل اعتمدوا على معلومتين وهما، أن نسبة هامش الربح منخفضة لصيغة الإجارة، وأن تغير الأقساط يعتمد على وضع السوق العقاري وتغيراته وأن هذا المؤشر لا يتغير إلا بشكل طفيف، أما المعلومة الأولى فهي صحيحة، ولكن لها تبعاتها التي سأوردها فيما يلي، وأما المعلومة الثانية فهي خاطئة وسأوضح لماذا وصلت هذه المعلومة المشوهة للمواطنين؟
في التمويل السكني هناك صيغتان أساسيتان ينبغي للراغب في الحصول على تمويل عقاري لوحدة سكنية جاهزة أن يعرفهما، الصيغة التي يشتكي منها ضحايا "السايبر" هي الإجارة، وباختصار فهي صيغة تتيح لجهات التمويل تغيير القسط الشهري بناء على تغير هامش الربح الذي يتأثر بتكلفة الإقراض ومن أهمها "السايبر"، ولذلك نجد أن نسبة هامش الربح السنوي قليلة لأنها تحمي الممول من مخاطر تغير "السايبر" وتجعل الحاصل على التمويل يتحملها، ولذلك قد يبدأ التمويل بنسبة 3 في المائة وقد ينتهي إلى 9 في المائة، وذلك لأن المتغير الأساسي لهامش الربح لا يمكن التنبؤ به ويعتمد على متغيرات اقتصادية ومالية كثيرة داخلية وخارجية، وهنا من يتحمل تكاليف المتغيرات هو الحاصل على التمويل، أما الصيغة الثانية فهي المرابحة التي تكون نسبة هامش الربح السنوي أعلى من الإجارة وقد تصل إلى الضعف، لكنها ثابتة طوال سنوات العقد، وبالتالي لا تتأثر بأي متغيرات مالية مثل السايبر ويستطيع الشخص من خلال هذه الصيغة أن يخطط لأموره المالية على مدى العقد بكل يسر وسهولة، ولذا فالنصيحة العامة في هذه الحالة ولا سيما لمن يمتد عقد تمويله لأكثر من عشر سنوات أن يحصل على تمويل سكني بصيغة المرابحة حتى لو كان هامش الربح السنوي أعلى من الإجارة، وهنا نكتشف لماذا انغرّ كثير من الحاصلين على تمويل سكني بصيغة الإجارة لأنها بدت لهم أقل تكلفة بكثير من المرابحة لكنها في الوقت نفسه تعرض المتمول لمخاطر ارتفاع "السايبر"، وهذا ما نشهده حاليا بسبب المؤثرات الاقتصادية والمالية وكذلك ميل «الفيدرالي» لرفع الفائدة، التي قد تصل إلى ثلاث مرات خلال 2018 حسب موقع بلومبيرج، وهنا يجب على مؤسسة النقد لدينا أن تتوافق معه، حيث يعتبر معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس الحد الأدنى الذي يمكن أن يصل له "السايبر"، وقد وصل حاليا إلى 1.75 في المائة، ولذلك من المتوقع أن يشهد "السايبر" ارتفاعات خلال الفترة المقبلة وهذا سيضغط بشكل أكبر على أصحاب التمويل العقاري بصيغة الإجارة، ولا شك أن صوت المواطنين وصل للجهات المعنية ومن أهمها مؤسسة النقد التي تتولى الرقابة على جهات التمويل، ولذلك وجهت الممولين بتحويل التمويلات ذات النسب المتغيرة إلى نسبة ثابتة، أي من صيغة الإجارة إلى المرابحة وذلك لمن يرغب من المواطنين ودون أي تكاليف إدارية، لكن للأسف اشتكى بعض من حاول إنجاز هذا الأمر من التعقيد، ولذا ينبغي على مؤسسة النقد متابعة هذا الملف بشكل مكثف والتأكد من أن توجيهها تم تفعيله على أرض الواقع.
أما إشكالية المعلومات غير الواضحة فهذه مسؤولية جهات التمويل التي لا تعطي التدريب الكافي لموظفيها المتخصصين ببيع منتجات التمويل السكني، ولذلك تظهر مثل هذه المعلومات غير الدقيقة عند استفسار المواطنين ممن لديهم ثقافة عامة وليست متخصصة بالتمويل، حيث إن بعض ممثلي جهات التمويل العقاري يوضح للمواطن أن المؤشر الذي ستتغير على أثره الأقساط مرتبط بسوق العقار ووضعه ويتوقع المواطن أن نزول السوق العقاري يعني انخفاضا في أقساطه وما حصل فعليا هو العكس تماما بسبب أن المؤشر مرتبط بسوق المال والسياسات النقدية، والبعض الآخر تم إبلاغه أن المؤشر من الصعب أن يتغير وأنه غالبا ما يكون ثابتا على المدى البعيد وللأسف فهذه معلومة غير دقيقة لأنه خلال السنوات الأربع الماضية زاد معدل "السايبر" لأكثر من الضعف، وهنا نحن في حاجة إلى تأهيل وتدريب العاملين في مجال بيع منتجات التمويل السكني لما لهذا القرار من تأثيرات على الأسر ووضعها المالي.
الخلاصة، هناك خطأ مشترك في هذه القضية فالجهات المشرعة لم تتابع هذا الملف بشكل جيد وتفعل توجيهاتها وترفع مستوى الوعي المجتمعي بمنتجات التمويل السكني وتلزم جهات التمويل بتزويد العملاء بنسخة من العقد يستطيعون من خلالها أخذ المشورة من أهل المعرفة والخبرة، وبين جهات التمويل التي لم تزود ممثلي المبيعات بالمعلومات والبيانات السليمة ليكون المواطن الراغب في الحصول على تمويل سكني على دراية تامة، وقد أخذ كل المعلومات اللازمة والصحيحة لاتخاذ قرار سليم يلتزم به لمدة طويلة، وكذلك يتحمل جزءا من الخطأ المواطن الذي يقدم على خطوة مهمة ومفصلية في حياته دون أن يتثقف ويقرأ عن صيغ وأساليب التمويل السكني ويتمعن في كل كلمة وردت في عقد التمويل.