بين الفراسة ومراجعة الأحوال المدنية فرق!
تعلمت في أولى سنوات مراهقتي طريقة ناجحة لمعرفة جنس الحمامة، سواء كانت ذكراً أم أنثى عن طريق تعليقها من منقارها لثوانٍ، فإن رفرفت بجناحيها فهي أنثى, وإن أسدلت جناحيها دون حركة فهي ذكر أو العكس لا أعلم فقد نسيت الآن, لكن مع مرور الوقت تطورت معرفتي بهذه الطيور حتى بت أفرق بينها عن طريق النظر فقط دون الحاجة إلى تعذيبها بتلك الطريقة البدائية, وما ينطبق على الحمام ينطبق على البشر أيضاً، ولكن ليس لمعرفة جنس الإنسان فهذا شيء واضح, ولا يحتاج إلى فلسفة, وإنما قصدت أن هناك علماً قديماً لدى بعض البشر يسمى الفراسة بحيث يفرقون بنظرة مثلاً بين المرأة المتزوجة والمرأة العزباء وإن كانتا في نفس السن, ويستطيع هؤلاء المتفرسون بنظرة سريعة يلقونها على آثار خطوات شخص ما أن يحددوا إن كان أعزب أو متزوجاً وكم عمره وربما تمكنوا من معرفة لون بشرته، ولأي الشعوب يُنسب, وماذا يخبئ في جيبه, وما هو لونه المفضل, ويمكنكم أن تبحثوا عن قصص هؤلاء فكتب التراث والتاريخ العربي مليئة بها!
أعلم أنكم تتساءلون الآن عن سبب حديثي عن الحمام والفراسة والتراث العربي, ولأنني لا أريد أن أطيل حيرتكم, فسأخبركم بأننا بتنا في حاجة شديدة إلى التفقه في هذا العلم، وخصوصاً في جزئية التفريق بين المرأة المتزوجة والمرأة العزباء, ولا تندهشوا من ذلك فقد قرأت خبراً قبل أيام عن فتاة سعودية اكتشفت بالمصادفة أنها متزوجة من رجل يكبرها بستين عاماً عندما كانت تراجع الأحوال المدنية لاستخراج بطاقة الهوية الوطنية حتى تتمكن من دخول المرحلة الثانوية!
هذا الخبر ليس نكتة ولا قصة فيلم كوميدي, فقد علمت الفتاة المسكينة بعد ذلك من أحد المقربين من عائلتها أن والدها الذي انفصل عن والدتها قبل أن تخرج هي للدنيا, قام بتزويجها آنذاك لهذا الرجل الثمانيني المتزوج من ثلاث غيرها مقابل 30 ألف ريال فقط، ومضى في طريقه دون أن يخبر أحداً, ما جعلها تتوجه للمحكمة الشرعية طالبة الخلع من هذا الزوج الذي لا تعرف عنه شيئاً سوى عدد زوجاته, فأمرتها المحكمة بالإعلان في الصحف عن والدها وزوجها, ليتصل بها أحدهم بعد ذلك مؤكداً أنه يعرف الزوج المسن, وأنه لا حاجة له بها, ويمكنها الحصول على الطلاق مقابل استرجاعه الـ 30 ألف ريال!
هذه الفتاة المسكينة وقعت في مأزق كبير فهي مازالت على مقاعد الدراسة, وقد كانت حتى وقت قريب تعتقد أنها عزباء, كما أنها لا تملك المبلغ المطلوب, ولولا تدخل أهل الخير الذين تبرعوا لها بذلك المبلغ لبقيت متزوجة وربما أصبحت أرملة قبل أن تتخرج من المرحلة الثانوية!
هل علمتم الآن سبب حاجتنا إلى التفقه في علم الفراسة الذي حدثتكم عنه في بداية هذا المقال؟
تخيلوا أن هذه الفتاة وقعت بالمصادفة قبل مراجعتها للأحوال المدنية في يد عجوزٍ متفرسة لا يشق لتفرسها غبار, وأخبرتها بأنها متزوجة وليست عزباء وعليها البحث عن زوجها والتفاهم معه, أليس ذلك أفضل من الإحراج مع الإخوة في الأحوال المدنية؟!
أعلم أن شر البلية ما يضحك, لكنني أتساءل الآن بصدق عن كيفية تزويج هذه الفتاة دون علمها ودون موافقتها, وعن كاتب العقد والشاهدين اللذين شهدا عليه, هل هم الآن خارج طائلة العقاب والقانون أم أن القضية برمتها قضية شرعية ولا تتعارض مع القانون؟!
فإن كان تزويج أي فتاة دون علمها أمراً جائزاً وقانونياً, فلا اعتراض على ذلك, لكنني سأطالب حينها بضرورة إدخال علم الفراسة الذي تزخر به كتب التراث العربي إلى المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم النظامي, على الأقل لتعرف كل طالبة وهي على مقاعد الدراسة إن كانت متزوجة أم لا, دون الحاجة إلى الاستعانة بموظفي الأحوال المدنية!