تشبه بالكفار يا شيخ!

أعجبتني كثيراً شجاعة أمين عام مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية الشيخ أحمد بن عبد العزيز بن باز عندما صرح لإحدى الصحف المحلية بكل شفافية أمس الأول عن بعض الملابسات التي كانت تصاحب استصدار بعض الفتاوى من والده – رحمه الله- العالم الجليل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز, ومكمن شجاعة الشيخ أحمد في أنه وضع إصبعه بالتحديد على مالم يجرؤ غيره على مناقشته عندما قال بالحرف الواحد:
"إن بعض طلبة العلم كان يأتي للشيخ ابن باز - رحمه الله- وكان يحاول استصدار فتوى توافق هواه, ويرى أن كثيرا من طلبة العلم يبتعدون عن المسمى الحقيقي لطلبة العلم حيث يحاول كثير منهم أن يخدم أهدافه أكثر من أن يخدم الدعوة" وأضاف:" تخيل مثلاً لو أتى رجل إلى سماحة الوالد - رحمه الله - وسأله: ما حكم (الجينز) يا شيخ، مع العلم أن فيه تشبها بالكفار؟ هنا وضع التشبه بالكفار هو العلة، ومن الطبيعي أن يفتي الشيخ بناء على سؤال السائل.. وهكذا", ورأى الشيخ أحمد أن تغير الصورة المحيطة بالحالة يستلزم أن يتغير الحكم الشرعي مشيراً إلى أن فتاوى سماحة الوالد -رحمه الله- ليست صالحة لكل الحالات.
تذكرت وأنا أقرأ هذه التصريحات الشجاعة للشيخ أحمد بن باز, العشرات من الفتاوى التي تداولها الناس لأكثر من عالم وطالب علم قبل أكثر من 20 سنة, تذكرت خروج أحد أقاربي إلى الشارع وقتها حاملا جهاز التلفزيون الوحيد في منزله لينهال عليه بالحجارة حتى حطمه تماماً اتباعاً لفتوى أحد طلبة العلم آنذاك, ولو أنه فعلها اليوم لاعتبره الناس مجنوناً بما فيهم طلبة العلم أنفسهم, ولنصحوه بإعادة الجهاز إلى البيت والاشتراك في باقات القنوات الإسلامية ليستفيد من برامجها!
تذكرت أيضاً كلاماً كثيراً قيل عن إحدى القنوات التي كانت تعرض برنامجاً من برامج تلفزيون الواقع قبل سنوات, وكيف أن أحد طلبة العلم حذر بشدة منها, وأشار إلى أن من أدخل هذه القناة التي كانت توصف بالفاسدة إلى بيته سينال العقاب في الآخرة, وسيتحمل ذنب كل من يشاهدها من أبنائه وأهله, لتمر السنوات وتعرض نفس هذه القناة برنامجاً وعظياً يقدمه نفس طالب العلم الذي كان يحذر منها, وهذا ما يؤكد الحقيقة التي تحدث عنها الشيخ أحمد بن باز حينما وصف بعض الفتاوى بأنها ليست صالحة لكل الحالات عندما تتغير الصورة المحيطة بالحالة.
ولاشك في أننا بحاجة دائمة إلى علمائنا حفظهم الله لنستفتيهم في أمور ديننا ودنيانا, وبحاجة ماسة أيضاً إلى شجاعتهم التي نعرفها في مراجعة بعض الفتاوى التي لم تعد تتوافق مع الزمن الذي نعيشه اليوم, فالدنيا تتغير والحالة المحيطة بكل فتوى تتغير أيضاً, وقد قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: (أنتم أعلم بشؤون دنياكم).
إن التصريحات الشجاعة التي أطلقها الشيخ أحمد بن باز تستلزم منا ومن علمائنا الأجلاء الوقوف عندها طويلاً, وإسقاطها على الكثير من الفتاوى التي باتت بحاجة إلى المراجعة, فبيننا اليوم من حرم نفسه من الكثير من الأشياء خوفاً من التشبه بالكفار مثلاً, وبيننا من يتعدى براحة ضمير على ممتلكات غيره ويتلفها بحجة أنها من المنكر رغم أن نسبها للمنكر نتاج اجتهاد فقط, وآخرهم ذلك الشخص المجتهد – سامحه الله – الذي عمد إلى كسر العلامتين الأمامية والخلفية لسيارتي قبل أشهر وهي متوقفة في أمان الله أمام المنزل بحجة أن العلامة عبارة عن (صليب) وفي تركها تشبه بالكفار حسب رأيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي