كل نشاط يحتاج إلى استراتيجية
كل نشاط تجاري واقتصادي يعمل بشكل أو بآخر على تعظيم القيمة المضافة لخدمة ما أو سلعة. ولاستمرارية عمل الأنشطة، ولأجل تحقيق التوظيف الأمثل للموارد على مستوى الاقتصاد، وكذلك المنشأة، فلابد من أن يكون تحقيق الأرباح هو الهدف الرئيس. فمتى ما انتفت الحاجة إلى سلعة أو خدمة، فإنها تختفي تلقائيا لتتيح المجال أمام نشاط آخر لاستخدام الموارد التي كانت متاحة لهذا النشاط. ولكن تحقيق الأرباح كهدف وحيد لا يكفي لضمان استمرارية مقدم الخدمة في عمله. فالمنشأة بحاجة إلى اعتماد استراتيجية تمكنها من فهم موقعها من السوق وما تريد أن تمثله لعملائها المستفيدين من خدماتها.
تعمل الاستراتيجية على تحقيق أهداف المنشأة طويلة الأجل، عبر جمع كل من الغرض الرئيس من النشاط وموارده المتاحة والبيئة المحيطة والمستفيدين في صورة واحدة، وتحقيق الاستخدام الأمثل لموارد المنشأة لتمكينها من تحقيق النتائج المرجوة. ولذلك، تنوعت الوسائل الأكاديمية في دراسة الطرق التي تعنى بوضع استراتيجيات الأنشطة الاقتصادية، إلا أنها تجتمع كلها على تحديد الميزة النوعية التنافسية للنشاط. فاستراتيجية النشاط لا تعنى بالضرورة أن يكون الأفضل بين المنافسين، إنما أن تكون متميزا وأن تستمر في تقديم منتج أو خدمة ستبقى مطلوبة من شريحة كافية من العملاء.
ولذلك، تعمل استراتيجية أي نشاط على تحديد نطاق عملها عن طريق استهداف مجموعة من الزبائن أو المستهلكين. المنشأة لا يمكنها تلبية احتياجات الشرائح كافة، ولذلك، فإن عليها اختيار المجموعة التي يمكنها خدمتها بالشكل الأمثل، والإبداع في خدمة هذه الشريحة. هذا الإبداع يسري على كامل سلسلة الإمداد، وليس خدمة العميل فقط. ففي كل مرحلة من مراحل توفير الخدمة أو المنتج، يمكن للمنشأة استحداث منظومة من العمليات والأنظمة لرفع كفاءة الأداء، سواء بما يصب في مصلحة العميل بتقديم خدمة عالية الجودة، أو الحفاظ على والاقتصاد في الموارد لرفع مستويات الربحية لكل مرحلة.
وكما أن بيئات الأعمال في تطور وتغير مستمرين، فإنه لا توجد استراتيجية واحدة ناجحة في كل مكان وكل الأوقات. فحتى لو تم اعتماد استراتيجية متغيرة وفعالة وسريعة الاستجابة لتطورات الأسواق بالشكل الذي يحصل اليوم في عالم التقنية، فإن مثل هذه الاستراتيجية يمكن أن تفشل في توفير الموارد البشرية اللازمة للقيام بعمليات النشاط لعدم قدرة العنصر البشري على مواكبة التغييرات. في حين قد تفشل استراتيجية محافظة وتقليدية تعمل على الحفاظ على حصتها في السوق بالوسائل كافة، في إرضاء العميل ومنع المنافسين من الدخول، لإغفالها عامل الرغبة المستمرة لدى المستهلك في التنويع والتجديد والمغامرة.
ومع الإخلال الهائل الذي يحصل في عالم التقنية، نجد أن استراتيجيات المنصات باتت تتصدر المشهد اليوم، فهي الأقدر على رفع كفاءة استغلال الموارد المتاحة للأنشطة. إلى جانب أنها تمنح المنشأة بعدا إضافيا هو، الغاية. فتمكن المنشأة من تكوين شبكة من العلاقات إلى جانب تحفيز المرتبطين بالشبكة بتحقيق هدف مشترك. مثل هذه الاستراتيجية الحديثة يؤكد أن مجالها سيبقى في تطور مستمر، فهي انعكاس طبيعي لكل ما يؤثر في عالم المال والأعمال.