لماذا لن تخضع الصين لأمريكا؟

في الشهر الفائت، أقر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فرض تعريفات جمركية على الصلب والألمنيوم، وهي رسوم موجهة بشكل مباشر إلى الصين. وفي الثاني من نيسان (أبريل)، ردت الصين بفرض تعريفات على 128 منتجا أمريكيا. فأعلن ترمب رسوما جمركية بنسبة 25 في المائة على 1300 منتج صيني آخر، تمثل نحو 50 مليار دولار من الصادرات. وردا على ذلك، هددت الصين بفرض تعريفات بنسبة 25 في المائة على 106 من صادرات الولايات المتحدة (بما في ذلك فول الصويا، والسيارات، والطائرات)، على أن تصبح سارية بمجرد سريان التعريفات الأمريكية.
أجل، إذا أصبحت هذه التدابير سارية المفعول، فإنها سترقى إلى حرب تجارية ــــ حرب من غير المحتمل أن تفوز بها الولايات المتحدة. في حين يزعم أهل الاقتصاد في عموم الأمر أن الجميع يخسرون في أي حرب تجارية، يدافع بعض المراقبين عن تصرفات ترمب بوصفها وسيلة تكتيكية تفاوضية بارعة لإرغام الصين على تعديل سياساتها التجارية، مثل شرط مشاركة الشركات الأجنبية في ملكيتها الفكرية في مقابل تمكينها من دخول السوق الصينية. لكن ترمب لا يفهم أساسيات مثل هذا التفاوض: فهو يتصور أن الدولة التي لديها عجز تجاري تتمتع بموقف تفاوضي أقوى بالضرورة. ولكن في واقع الأمر، تكون دولة الفائض التجاري في موقف أقوى غالبا، بفضل مطالباتها المالية المتراكمة ضد "الخصم". وينطبق هذا بكل تأكيد على الصين، التي تحتفظ بما يزيد على تريليون دولار أمريكي من سندات الخزانة الأمريكية. وبطبيعة الحال، إذا باعت الصين كميات كبيرة من ممتلكاتها من السندات الأمريكية، فسوف يلحق الانخفاض الناتج عن ذلك في أسعار السندات الضرر بالدولتين. لكن هذا لا يبطل النقطة الأساسية. فالصين ليست مضطرة بالضرورة حتى للبيع لممارسة نفوذها. فمع توسع الدين الأمريكي وارتفاع أسعار الفائدة، ربما تكون حتى إشاعة أن الصين ربما تتوقف عن شراء سندات الخزانة الأمريكية كافية لدفع أسعار السندات الأمريكية إلى الانخفاض والتعجيل بزيادة أسعار الفائدة الأمريكية. وهذا من شأنه أن يزيد من تقويض الثقة في الأسواق المالية، التي تشعر بالفعل بعدم الرضا عن حرب ترمب التجارية، التي ترد على كل إعلان عن تعريفات جديدة بالبيع بأسعار بخسة.
لكن الأمر لا يخلو من أسباب أعمق تدفعنا إلى الاعتقاد أن الصين لن تستسلم لترمب. فسوف تلحق كل من التعريفات الأمريكية والصينية الضرر بالأمريكيين بشكل كبير. على سبيل المثال، سترغم التعريفات على الصلب والألمنيوم صناعة السيارات في الولايات المتحدة على رفع أسعار المستهلك لأن مدخلاتها الرئيسة ستصبح أكثر تكلفة. والرد الانتقامي الصيني يلحق الضرر بقطاعات اقتصادية أمريكية مهمة أخرى، من الزراعة إلى الصناعات التحويلية.
ورغم أن الصناعات والمستهلكين في الصين سيتضررون أيضا من جراء الحرب التجارية، فإن قادة الصين قادرون على التحكم في جماعات المصالح وخنق الاحتجاجات. وفي كل الأحوال، سوف يدعم الرأي العام إلى حد كبير الردود الانتقامية ضد الولايات المتحدة. فالصينيون يتذكرون جيدا حروب الأفيون في القرن التاسع عشر، عندما حاولت المملكة الوسطى (وفشلت في) مقاومة الحملة البريطانية لإرغامها على فتح اقتصادها للأفيون وغيره من الواردات. وكانت المعاهدات غير المتكافئة التي نشأت عن تلك الحملة جزءا من "قرن المهانة" في الصين، الذي لم يكن تجاوزه أقل أهمية في الوعي الصيني الشعبي المعاصر من كلمة "الحرية" بالنسبة للأمريكيين. لن يتسنى للصينيين التغلب على إرث الإذلال والمهانة إلا إذا رفضت الصين التنازل في وجه الاستئساد التجاري. أضف إلى هذا سمعة ترمب في التخبط، فتصبح احتمالات أن يكلف قادة الصين أنفسهم عناء عقد صفقة مع ترمب لتغيير سياسات بلدهم التجارية ضئيلة.
وحتى لو قررت الصين التنازل عن شيء لترمب، فلن يكون ذلك بلا مغزى. على سبيل المثال، في الرد على طلب ترمب خفض العجز الثنائي في تجارة السلع، ربما تقلل الصين من صادراتها المباشرة من السلع إلى الولايات المتحدة، وتوجه منتجاتها بدلا من ذلك عبر تايوان وغيرها من الدول، حيث يمكن إجراء بعض التجميع النهائي. وستكون النتيجة غير ذات أهمية من الناحية الاقتصادية؛ لكن هذه حال مفهوم العجز الثنائي ذاته، لأن الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة تحتوي على نسبة عالية من المدخلات الوسيطة المنتجة في كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، وأماكن أخرى.
ما يهم حقا هو أن فائض الحساب الجاري لدى الصين كان في انخفاض منذ عام 2008، وهو الآن يعادل نسبة صغيرة نسبيا لا تتجاوز 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وكان العجز الخارجي الأمريكي في ازدياد، لكن هذا لم يكن نتيجة للسياسة التجارية؛ بل كان نابعا من السياسة المالية التي أقرها الجمهوريون، التي تعمل على تضخيم العجز في الموازنة وتقليص المدخرات الوطنية.
أما عن شكاوى ترمب حول "سرقة" الملكية الفكرية، فهناك بعض المظالم المشروعة على هذه الجبهة. لكن معالجة هذه القضية تتطلب خبرات فنية ومهارات تفاوضية، وليس التهديدات الفظة القائمة على معرفة غير كافية. ومن الأهمية بمكان أن نعلم أن العلاج يتطلب أيضا التعاون مع شركاء آخرين لديهم مظالم مماثلة مع الصين، وقد يتضمن هذا من الناحية المثالية ممارسة الضغوط عن طريق مؤسسات قائمة على القواعد مثل منظمة التجارة العالمية.
بيد أن ترمب يلاحق الاستراتيجية المعاكسة تماما، فيزعم أنه لا المفاوضات المتعددة الأطراف ولا المفاوضات الثنائية تصادف أي نجاح مع الصين. ومع ذلك فقد ساعدت مثل هذه التكتيكات في إرغام الصين في السماح برفع قيمة الرنمينبي بنحو 37 في المائة في الفترة من 2004 إلى 2014 وفرض حملة صارمة ضد تقليد السلع الأمريكية وسرقة البرمجيات الأمريكية.
على أية حال، لا يجوز لأوجه القصور التي تعيب المؤسسات التجارية القائمة أن تستخدم كمبرر للجوء إلى تدابير أحادية عدوانية وغير فعالة. فلم ينجح هذا في ثمانينيات القرن العشرين، عندما انتهت الحال بقيود التصدير الطوعية المزعومة التي فرضها رونالد ريجان على اليابان إلى تحقيق مصالح الشركات اليابانية وليس الشركات الأمريكية، التي أصبحت في حال أفضل بعد إزالة تلك القيود. كما لم تنجح في عام 2002، عندما فرض جورج دبليو بوش تعريفات الصلب التي أهدرت عددا أكبر كثيرا من الوظائف مقارنة بما نجحت في حمايته.
لعل ترمب يريد أيضا تجنب منظمة التجارة العالمية لأن الولايات المتحدة لا تفوز بكل الدعاوى القضائية التي تحيلها إليها للنظر فيها. لكن معدل نجاحها كان 90 في المائة. وليس الأمر كأن الولايات المتحدة لم يسبق لها قط انتهاك القواعد الدولية؛ بل إن تحركاتها الأخيرة ترقى إلى انتهاكات أشد وضوحا لهذه القواعد من السياسات الصينية التي يفترض أنها ترد عليها بهذه الخطوات.
رغم أن الصين ربما تعرض على ترمب مبادرة ينقذ بها ماء وجهه، فإن التنازلات الكبرى ليست واردة. لن تفعل حرب ترمب أي شيء لتحسين ميزان أمريكا الخارجي، أو الناتج، أو العمالة، أو الأجور الحقيقية في الولايات المتحدة. ولن يكفي أي قدر من مناسبات التصوير الطروب، أو التغريدات المهنئة للذات، أو تقارير «فوكس نيوز» المبتهجة بالنصر، لتغيير هذه الحقيقة.

خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2018.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي