عندما استقلت من المجلس البلدي!
قبل أن يقفز أحدكم ليتهمني بالكذب والتدليس وانتحال شخصية أي عضو في أي مجلس بلدي في العالم, يجدر بكم أن تعلموا أن أحداث هذه القصة جرت عام 2295م, في بقعة مجهولة من الكرة الأرضية, وقد رأيتها فيما يرى (الحالم), ولايسعني أن أتحمل مسؤولية حلم عابر قرر أن يستريح في مخيلتي لدقائق قبل أن يمضي مفسحاً المجال لغيره, لكن وقبل أن أسردها لكم يجب أن أنصح كل حاسدٍ لي على هذه التجربة المثيرة بأن يفكر جدياً في استثمار مخيلته بشكل عملي طالما أن الأحلام لم تدخل بعد في قائمة السلع المهددة بالانقراض من منازل ذوي الدخل (المهدود) لارتفاع أسعارها بشكل جنوني كغيرها!
تبدأ أحداث القصة من مخيّم يكتظ بالناس الذين كنتُ أحدهم, فيما يتوسط هذا التجمع البشري شاعرُ يتحدث بطريقة مسرحية عن مجموعة من الحيوانات الصحراوية كما فهمت من سياق قصيدته التي انتهت بتصفيق وتصفير الحضور, لينتقل المايكرفون من يده إلى يد رجل آخر يلقي محاضرة عن حرمة التصفيق والتصفير والتلفزيون والراديو وكرة القدم وأشياء كثيرة لا أستطيع تذكرها الآن, ثم يطلب منّي شخص تشير هيئته إلى أنه أحد منظمي الحفل أن أتقدم لألقي كلمة خطابية باعتباري مرشحاً لانتخابات المجلس البلدي, موضحاً أن جميع المصفرين والمصفقين هم من الناخبين الذين يودون التعرف على الأجندة التي أحملها ومطلوب مني إقناعهم بجدوى التصويت لي بأي طريقة, ولأنني رجل أحب الخطابة بشكل جنوني, فقد صببت على رؤوس الحضور خطبة مضرية صاخبة يشيب لها الولدان, وما كدت أنهيها حتى رأيت أعينهم تذرف الدموع وأصواتهم تتعالى مشيدة بي, ولا أخفيكم أنني استغربت أيما استغراب عندما رأيتهم يرفعون جوالاتهم عالياً بإشارة لم أتمكن من فهمها, مما استدعى تدخل أحدهم ليوضح لي أن هذه الحركة تدل على أن الناخبين ولشدة اقتناعهم بي سيقومون بإرسال رسائل SMS عابرة للقارات إلى جميع الأرقام المحفوظة وغير المحفوظة في أجهزتهم لحض أصحابها على التصويت لي!
انفض الجمع بعد ذلك وطارت وسائل الإعلام والإعلان لتغطية الحدث وكم كانت سعادة أقاربي وأصدقائي وجيراني كبيرة وهم يشاهدون صوري في الصحف, حتى أن أحد جيراني أطلق اسمي على مولوده الجديد, وعمد آخر إلى طمس اسم الشارع الذي أسكنه وروج في الحي أن اسمي سيطلق على عددٍ من شوارع المدينة بما فيها شارعنا, وعرضت علي أكثر من عجوز الزواج بها مسياراً أو مسفاراً لتنال الشهرة قبل وفاتها!
ولم تمر أسابيع حتى فزت بمقعد وثير في المجلس, بعد أن أدمنت النجومية أثناء حملتي الانتخابية رغم قصر فترتها الزمنية, حتى أنني كنت أبحث في قائمة الرسائل الواردة في جوال أي أحد ألتقي به في أي مكان عن اسمي ولم يحدث أن انتهيت من عملية البحث خائباً ولله الحمد, لكنني أصبت باكتئاب شديد بعد أن انفض المولد (الإعلامي/الإعلاني) من حولي, وعلمت لاحقاً أن جاري الخبيث غيّر اسم ابنه الذي أطلقه عليه تيمناً بي, وأن البلدية جددت لوحة اسم الشارع التي طمسها جاري الآخر, وإزاء هذا الوضع الذي لم أستطع الاعتياد عليه بدأت في التفكير بشكل هستيري في استعادة الأضواء التي لن أتمكن من مواصلة حياتي بدونها, وقد ذكر لي أكثر من شخص أنني كنت أخرج من البيت ماشياً وأنا نائم, مردداً (الخيل والليل والبيداء تعرفني) وكادت أكثر من سيارة أن ترديني قتيلاً في حادث مروري أثناء ذلك, لكنني نجوت بفضل الله, وتوصلت إلى الحل الذي أعادني نجماً في حارتنا وعلى واجهات الصحف بشكل مثير, حتى أن الصحفايين أخذوا يتسابقون لنشرالتصريحات النارية التي أطلقها بين حين وآخر, رغم أنها لا تمت للعالم الذي أسكنه بأي صلة, المهم أن يخرجوا بأي تصريحات والسلام, ولمعرفة هذا الحل العجيب يا أحبابي القراء, يمكنكم إعادة قراءة العنوان.