انهيار الليرة التركية يكشف مشكلات اقتصادها
ما زالت تركيا تعمل جاهدة على وقف تدهور سعر صرف عملتها الليرة أمام العملات الرئيسة، فعلى الرغم من أن مركز الاقتصاد التركي هو الثالث عشر بين أكبر اقتصاديات العالم، ورغم أنه حظي بثاني أعلى نمو في ناتجه المحلي بين دول مجموعة العشرين بنسبة فاقت 7 في المائة، إلا أن الليرة التركية فقدت نحو 20 في المائة من قيمتها أمام الدولار منذ بداية العام. فكيف يحصل هذا بعملة اقتصاد ينمو باطراد؟ أهم أوجه المشكلة يكمن في الشك في استقلالية السياسة النقدية عن السياسة المالية للبلاد. فمنذ تصريحات أردوغان التي وصف فيها أسعار الفائدة بأنها أساس الشر، والتي أكد فيها أيضا نيته تخفيض أسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي، تعاظمت خسائر الليرة.
انخفاض سعر صرف دولة ما يجعل من منتجاتها أرخص وأكثر جاذبية لدى الدول الأخرى بما يدعم التصدير. وهي سياسة تبنتها الصين عقودا لدعم نمو اقتصادها، ولكن ما يختلف في الحالة التركية أن معظم النمو الحاصل في اقتصادها كان مدعوما بتوافر الائتمان والقروض المنخفضة التكلفة. الأمر الذي أسهم وبشكل مباشر في تعميق العجز في حسابها الجاري. بمعنى أن تركيا تستورد من الخدمات والسلع أكثر مما تصدر، وبالتالي فإن كل انخفاض في سعر الصرف يهدد جذور الحركة الاقتصادية؛ نظرا لزيادة تكلفة مدخلات الإنتاج المستوردة. كما أن استمرار انخفاض سعر الصرف يعمل هو الآخر على الحد من التدفقات النقدية الاستثمارية إلى الاقتصاد، وبالتالي يحد من إمكانية توفير الائتمان الرخيص، وهو الأساس الذي يعتمد عليه الاقتصاد التركي في نموه.
الائتمان الرخيص كان سمة سائدة لفترة ما بعد الأزمة المالية العالمية. ولكن منذ بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، فإن هذه السمة بدأت بالتبخر، ما عزز من سعر صرف الدولار على مستوى العالم. إضافة إلى ذلك، فإن أسعار النفط المتصاعدة تشكل عامل ضغط إضافيا على الحساب الجاري للدول المستوردة مثل تركيا، ما يجعل اقتصادها مكشوفا لمخاطر لا يمكن تغطيتها باستمرار تدفق السيولة.
زيادة الاضطرابات في الساحة السياسية التركية منذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 تكرس انكشاف الاقتصاد التركي، ولذلك فإن الانتخابات المقبلة في 24 من حزيران (يونيو) الجاري ستكون بلا شك حول الاقتصاد. فالتضخم المرتفع الذي يعانيه الاقتصاد التركي، والذي وصل إلى ما يقارب 11 في المائة يكاد أن ينفلت من عقاله. هذا في الأساس ما دفع البنك المركزي التركي إلى رفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس وصولا إلى 16.5 في المائة، إضافة إلى تبسيط أسعار الفائدة الرئيسة وربطها بسعر الريبو فقط. وقد تمكنت هذه الخطوة من وقف نزيف سعر صرف الليرة، إلا أن ذلك لم يكن ممكنا لولا الضغط الذي وقع على الرئيس التركي للرضوخ أمام قوى السوق، لذلك فإن على الاقتصاد التركي في مرحلة ما بعد الانتخابات المبكرة أن يضع معالجة التضخم وعجز الحساب الجاري أولوية قصوى، حتى إن كان ذلك على حساب نمو الناتج المحلي، وهذا لن يتم إلا بحكومة تحترم استقلالية البنك المركزي.