مصنع الثروة في «الإخلال»
عند النظر إلى أصحاب الثروات العصاميين قديما وحديثا، نجد بين معظمهم عاملا مشتركا أساسيا، هو فكرة أو منتج تسبب في إحداث عامل إخلال أو زعزعة للوضع السائد. فالإخلال يعمل على إيجاد أسواق جديدة، أو تحويل القيمة المضافة بشكل كبير لمصلحة طرف جديد. وقد ركزت الدراسات الأكاديمية في مجال الاستراتيجية على هذا العامل بشكل كبير. ففي نموذج بورتر لتحليل قوى السوق الخمس، نجد أن أبعاد المنافسة والمنتج البديل وقوة المشترين والموردين تعمل على اختزال العوامل المزعزعة. فمن المنافسة تخرج منتجات جديدة، تقلب موازين بيئة العمل بشكل كامل كما فعلت "أبل" مع "نوكيا"، بينما ظهور المنتج أو الخدمة البديلة يأتي من خارج اللاعبين الأساسيين في السوق، كما هو الحال مع الفاكس والبريد الإلكتروني. بينما عملت الأفكار التي تبنت استراتيجية المنصات على زيادة قوة الموردين والمشترين برفع نسبة مشاركتهم، ومستوى المعلومات المتوافرة لديهم على حساب الوسيط التقليدي. المثال على ذلك واضح في عديد من التطبيقات الذكية، مثل "أوبر" ومواقع الحجوزات والسفريات.
ليس بالضرورة أن يكون المنتج المزعزع أو فكرة الإخلال أصلية 100 في المائة؛ فالتجار قديما كانوا يقومون بهذا الدور بتوفيرهم منتجات مستوردة ذات قيمة وجودة عاليتين، عملت على مزاحمة المنتجات المحلية التقليدية. فبينما تأخذ الأفكار المزعزعة اليوم طابعا عالميا؛ بسبب العولمة التي نعيشها، ومستوى الاتصال الفائق الذي وصلنا إليه، كان يمكن إعمال الإخلال محليا، والاستفادة منه بلعب دور بسيط، وهو دور الوسيط. ولكن على الرغم من هذا الدور البسيط، إلا أن المنتج المزعزع يعمل دوما على زيادة الإنتاجية لمصلحة الاقتصاد بشكل عام. فتوفير مولد الكهرباء الأول لقرية ما قديما، يُمكِّنها من مد ساعات العمل، واستخدام آليات أكثر كفاءة لأداء الوظائف نفسها، وبالتالي فإن الاقتصاد ينمو بشكل أكبر، رغم وجود بعض الخاسرين. على المستوى نفسه، يمكن القول إن "أوبر" عملت على رفع كفاءة استخدام السيارات ومشاركتها بشكل أوسع بين الراكبين، الأمر الذي عاد بفوائد أكبر على ملاك السيارات والراكبين من تلك التي خسرها مشغلو التاكسي.
لا يقتصر الإخلال على المنتجات والخدمات فقط، بل إنه يمتد إلى كل جوانب عالم الأعمال. ففي بداية عمل "أمازون" في الكتب، حار المحللون في كيفية تقييمها؛ نظرا لأنها تولد النقد والسيولة دون مخزون. كما يمكن تطبيق أفكار الإخلال في استراتيجيات الشركات ونماذجها التجارية، وأساليب حل المشكلات ورعاية الزبائن، ولكن حتى نتمكن من رعاية وتطوير ابتكاراتنا المزعزعة محليا، من الضروري أن نتبنى معنى موسعا لريادة الأعمال، الأمر الذي نشهده بشكل ملحوظ عبر وجود جهات رسمية وغير رسمية متعددة، تعمل جنبا إلى جنب على إيجاد نسيج من المبتكرين في مختلف المجالات. إظهار هذه المواهب ودعمها بالموارد اللازمة هو ما سيعمل على إيجاد بيئة أعمال ابتكارية تدعم الاقتصاد السعودي.