وضاع المؤتمر بسبب الإجراءات!
ليس هناك ما هو أضر من أن تكشر البيروقراطية عن أنيابها وتضرب بأطنابها في الدوائر الخدماتية التي لا يمكن الاستغناء عنها.. وهذا الضرر سيكون مضاعفاً حين تتحول البيروقراطية إلى عملية منظمة هدفها تعطيل كل ما من شأنه دفع عجلة التنمية في البلد.
يرى ميشيل كروزيه الذي يعد من أهم من ألفوا البحوث والدراسات عن البيروقراطية في العالم أن البيروقراطية بمفهومها العام هي شيء يتعارض مع الابتكار الإداري، إذ إن العرض الآلي للسلوك الإنساني الذي يشكل قاعدتها يؤدي إلى خلل وظيفي خطير، وهي تنظيم لا يستطيع تصحيح سلوكه عن طريق إدراك أخطائه السابقة، إذ إن القواعد التي تعتمد عليها البيروقراطية غالبا ما يستخدمها الأفراد لتحقيق أغراضهم الشخصية!
والبيروقراطية عند روبرت ميشيلز لا تعدو أن تكون مجموعة من الموظفين والعمال، الذين يتقاضون أجراً لقاء عملهم، ويخضعون لسيطرة رؤسائهم وقادتهم، وأن الأوليجاركيه (حكم القلة) هي المصير المحتوم الذي ستنتهي إليه البيروقراطية. وأدى هذا التصور للبيروقراطية إلى الإشارة إلى فكرة إساءة استعمال القوة، وبسبب أن أعضاء التنظيم البيروقراطي لديهم قدر من القوة يتعدى النطاق المحدود لوظائفهم الرسمية.
ما جعلني أتحدث عن البيروقراطية اليوم هو تألمي من الخبر الذي نشرته (الشرق الأوسط) بتاريخ 4-11-2008م بعنوان (منظمون سعوديون لمؤتمر دولي يلجأون للبحرين لسهولة إجراءات الدخول)، ولكم أن تعلموا أن الأشد إيلاماً من عنوان الخبر هو أن ذلك المؤتمر الضائع من تنظيم دعامتين وطنيتين مهمتين هما شركة أرامكو وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن!
إنني أتساءل عن ماهية إجراءات الدخول الصعبة التي تحدث عنها منظمو المؤتمر، وإن كانت تستحق أن تحرم الوطن من ذلك المؤتمر الذي يعقد لأول مرة في دولة عربية، ويجمع بين الأكاديميين والصناعيين، لمناقشة آخر مستجدات عالم الأبحاث والصناعة، ويناقش ما بين 340 إلى 350 بحثا علميا، ويحضره نحو 250 عالما وباحثا ومهندسا وصناعيا من جميع دول العالم.
هل تدركون حجم الخسارة التي خسرناها بسبب تلك الإجراءت التي لا أعرف حقاً ماهي ولا لماذا تم التمسك بها رغم عرقلتها لاستضافة المملكة لمثل هذا مؤتمر؟
قد يكون مطبقو تلك الإجراءات لا يعلمون مدى الضرر الذي تسببه، أو أنها لم تعد صالحة في زمن الانفتاح الاقتصادي، وهذا ما يستلزم معالجتها .
إنني أعتقد أن ما حدث يحمل جانباً مفيداً ويفتح أعيننا على مكامن الخلل الذي يُفترض أن يعالج فالإجراءات والأنظمة وضعت في الأساس لتنظيم العمل بشكل يخدم المستفيدين منه على أكمل وجه، ولم توضع لتعقيدهم أو تطفيشهم، وهو ما يدعو إلى عدم تجاهل هذا التصرف من منظمي المؤتمر المذكور، بل إن من واجبهم الوطني أن يتقدموا بأنفسهم للمسؤولين لتوضيح حقيقة الإجراءات المعقدة التي جعلت هذا المؤتمر العالمي ينقل لدولة مجاورة بين عشية وضحاها.
ثم إنني أتساءل عن مدى قابلية كثير ممن أوكلت إليهم مسؤولية إدارة جهاتنا الحكومية لمجاراة متطلبات الزمن الذي نعيشه اليوم، وعن مدى حاجة هذه الإدارات والجهات إلى دماء جديدة، فالقضية لا تتوقف عند الإجراءت والأنظمة التي أكل عليها الدهر وشرب فقط!