الدكتوراه عن بُعد .. هل جامعاتنا السبب؟
نعود إلى موضوع الدكتوراه مرة أخرى، فقد طرحنا في مقال سابق قضية "الدكتوراه بين الاعتراف والقيمة". وجاء ذلك إثر الضجيج الذي ولده قرار معالي وزير التربية والتعليم بشأن عدم جواز استخدام "الدال" من قبل الحاصلين على الدكتوراه ولم يتم معادلتها من الجهات المختصة. وأوضحنا في موضوعنا السابق أن الاعتراف بالدرجة لا يكفي، وأن ما يجب أن نحصل عليه هو القيمة أيضاً، فالقيمة المُضافة التي تُقدمها الدكتوراه، من خلال عمل صاحبها هي الهدف، ومن دونها تصبح الدكتوراه بلا قيمة وبلا هدف. وقد لا حظنا أن السجال في حديث الدكتوراه ما يزال قائماً، وأن مسألة "الدكتوراه عن بُعد" تُمثل محوراً مهما من محاور هذا السجال، الذي يستحق الاهتمام لما فيه من نفع، ليس فقط للأفراد الذين يتداولونه، بل لمجتمعنا وبلدنا أيضاً.
إن طموح الكثيرين في الحصول على درجة الدكتوراه طموح شخصي مشروع، ويُمكن أن يُقدم فوائد كبيرة للمجتمع. وقد يفتقر هذا الطموح في بعض الأحيان إلى النضج، حيث يبحث عن أي طريق يقود إلى "الدال"، حتى وإن كان هذا الطريق يفتقر إلى الموضوعية، ناهيك عن افتقاره إلى المشروعية، وهذا بالطبع أمر مرفوض. لكن في مُعظم الأحيان يكون الطموح إلى الدكتوراه جاداً ويبحث عن العطاء المعرفي المفيد. وهذا في الواقع هو الأصل الذي نود أن ننظر إليه، وهو أمر مقبول يجب تشجيعه والأخذ بيده.
الطموح المرفوض لن يجد إلا الجامعات والبرامج غير المعترف بها، ليتوقف الأمر عند هذا الحد بورقة مطبوعة لا تحمل أي قيمة. أما الطموح المقبول، فكثيراً ما يجد باب جامعاتنا أمامه مُغلقاً، وهنا يبحث عن جامعات أجنبية تسمح له بدراسة الدكتوراه عن بُعد، وبين هذه الجامعات جامعات مرموقة ومُعترف بها.
فلسفة الجامعات المرموقة في وضعها لبرامج دكتوراه عن بُعد، هي الاستفادة من الطاقات القادرة حول العالم وتشجيعها على البحث العلمي. فهي تقوم من خلال هؤلاء، بتوسيع دائرة نشاطاتها البحثية، وعطائها المعرفي، دون الإخلال بالقواعد الأساسية والشروط المطلوبة لمنح درجة الدكتوراه، ناهيك عن الفائدة الاقتصادية التي تجنيها من الرسوم التي تحصل عليها، ومن احتمالات استخدام العطاء المعرفي في استشارات مأجورة، إضافة إلى سفر الطالب سنوياً إلى الجامعة لمقابلة المشرف، وإنفاقه لما يدخره، في بلد الجامعة والمنطقة من حولها.
ولا شك أن الإنترنت وتقنيات المعلومات عموماً تُساعد الجامعات سابقة الذكر على تنفيذ برامجها الأكاديمية عن بُعد، حيث يجري الحوار بين الطالب والمشرف، في "الفضاء الافتراضي" الذي تُقدمه الإنترنت للجميع. ويصلح هذا الفضاء للعمل الأكاديمي، خصوصاً، عندما لا يحتاج موضوع الدكتوراه إلى مختبرات خاصة تتطلب حضور الطالب بنفسه إلى المُختبر وتنفيذه للتجارب التي يحتاجها بحثه.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لا تسمح جامعاتنا ببرامج دكتوراه بحثية، يُمكن تنفيذها عن بُعد. في هذا الإطار تجدر الإشارة، إلى أن بعض جامعاتنا، وبينها جامعة الملك سعود حالياً، تعقد اتفاقيات مع جامعات أجنبية، تسمح للمعيدات والمحاضرات بموجبها بالدراسة عن بُعد في تلك الجامعات، من خلال الإمكانات المتوافرة في جامعاتنا المحلية. وعلى ذلك فطالما أن الأمر قائم في إطار مُعين، لماذا لا نعممه، لنسمح لكل من هو مؤهل وراغب في العمل في برامج دكتوراه مشتركة بين جامعاتنا وجامعات أجنبية، أو حتى بين جامعاتنا ومراكز عمل محلية يستطيع الطالب فيها إجراء أبحاث تفيد جهة العمل التي يعمل بها.
إن آفاق البحث العلمي رحبة ومُتشعبة، لأن القضايا البحثية كثيرة ومن دون حدود، خصوصاً في إطار التنافس المعرفي، وعلينا إعادة النظر في أنظمة الدكتوراه لدينا، علنا نجعلها أكثر فائدة، وأكبر قيمة، لنستطيع الاستفادة منها في تنمية بلادنا وتعزيز عطائها الإنساني.