ترحيل "الأعشى" إلى بنجلادش!
تقوم إدارة الترحيل في المديرية العامة للجوازات بجهود كبيرة في سبيل ترحيل مخالفي نظام العمل والإقامة إلى مواطنهم التي جاءوا منها بحثاً عن لقمة عيش غير نظامية في هذا الوطن, لكن هذه الجهود الكبيرة لا تخلو أحياناً من أخطاءٍ كبيرة أيضاً تحمل كماً لايستهان به من الكوميديا والألم في الوقت نفسه.
بين يديّ الآن خبر نشرته صحيفة "الاقتصادية" أخيرا عن ترحيل طفلة سعودية إلى إندونيسيا بالخطأ, وفي التفاصيل أن والدة الطفلة سيدة إندونيسية متزوجة من سعودي قامت وبالتنسيق مع شقيقها وشركاء آخرين بتهريب الطفلة عن طريق برامج الترحيل التي تطول العمال المخالفين لنظام الإقامة في المملكة، بعد أن أمنوا سيدة إندونيسية ترافقها وتدعي أنها أمها !
وسبق أن فُجعت عائلة سعودية العام الماضي بترحيل ابنها المواطن "رباح الكحيلي" إلى اليمن لأنه فشل في إثبات هويته عند إحدى نقاط التفتيش في الرياض, وفتحت آنذاك وزارة الداخلية مشكورة تحقيقاً أعاده إلى أسرته بعد أشهر من التسكع في السجون اليمنية حيث وجهت له السلطات في اليمن تهمة الانتماء لجماعة متطرفة بعد عجزها عن الكشف عن هويته ولم تصدّق الرواية التي ظل يرويها طوال أسابيع وهو يقسم بالأيمان المغلظة بأنه سعودي تم ترحيله بالخطأ!
هذه الحوادث ذكرتني بحملات الجوازات في أحد أقدم أحياء الرياض "منفوحة" الذي تنتشر فيه العمالة غير النظامية بكثافة كبيرة, وتخيلت لو أن الشاعر الجاهلي الأعشى عاد للحياة هذه الأيام وهو أشهر أبناء "منفوحة" في التاريخ فماذا سيكون مصيره عندما يقبض عليه موظف الجوازات في حملة ليلية وهو بملابسه الجاهلية و يسأله عن دفتر إقامته, أظن أن "أبا بصير" لن يتمكن أساساً من التقاط أنفاسه للإجابة, ونظراً لكونه يعاني ضعف النظر فقد يتصور أن موظف الجوازات بلباسه العسكري عفريت من الجن قرر أن يعبث معه, ولكم أن تتخيلوا أبيات الهجاء التي سيطلقها الأعشى وهو في حافلة الترحيل ويرددها معه عشرات العمال الشرق آسيويين الذين يشاركونه نفس المصير, ثم إنني لا يمكن أن أتصور أن شاعراً عنجهياً كشاعرنا يمكنه أن يقضي أسبوعاً في حجز الترحيل دون أن تفيض قريحته بمعلّقة جديدة ولكن على جدران الحجز هذه المرة, وربما ابتدأها بمطلع يتقاطر ألماً كـ "ودّع كومار إن الركب مرتحل", ذلك لأن صديقه "كومار" الذي تعرف عليه في الحجز سيخرج دون ترحيل بعد أن يتنبه كفيله لغيابه ويحضر أوراقه النظامية, بينما يزف أبو بصير إلى المطار ليلحق بالطائرة المتوجهة إلى بنجلادش مصحوباً بالتعهدات بعدم العودة, ومن هناك سيصدر للعالم ديوانه الجديد بعنوان "الأَسِيرِ المُكَبَّلِ" الذي ربما تم ترشيحه لجائزة نوبل للآداب, كما أن مؤلفه بلا شك سيكون الضيف الرئيس في برنامج وثائقي تعرضه جميع القنوات الإخبارية العالمية عن أدب السجون!