الأمراض النفسجسمية وطمأنينة القلب
الإنسان كما لا يخفى تركيب معجز من المادة والروح ولكل منهما انعكاس على الآخر سلباً أو إيجاباً.
وهذا يفسر ما يعانيه بعض الناس، من أمراض مصنفة لدى المختصين تحت اسم الأمراض النفسجسمية، أو السيكوسوماتيك Psychosomatic.
وما أمراض القولون والحساسية والأزمات الصدرية والروماتيزمية وأعراض الذبحة الكاذبة... إلا مظاهر وأعراض لاعتلال الروح وتعثر النفس.
فهذه الأمراض وغيرها تكمن في النفس ولكن أعراضها ومعالمها تظهر على الجسد.
وما يؤدي إلى هذه المآلات المقلقة في كثير من الأحيان تلك الانهيارات النفسية الناشئة عن التصورات الخاطئة في فهم الحياة الدنيا.
ولأجل ذلك لم يزل الإنسان في ضرورة دائمة إلى ما ينعش روحه ويطمئن نفسه، ولذلك فتَّش الناس في القديم والحديث عما يحقق لهم هذه الغاية؛ فمن مصيب منهم، وأكثرهم مخفقون.
إن ما تنادي به الفطرة ويهتف به الوجدان بل يخفق به الجنان تلك الضرورة الملحة التي يجدها الإنسان في توثيق صلته بربه ـ جل وعلا, بذكره ودعائه واستغفاره والصلاة له ـ جل وعلا وبالتوكل عليه سبحانه في كل الأمور.
وحيث إن نبينا محمداً ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو أكمل الخلق في تحقيق هذه الصلة الربانية، فقد حباه الله من انشراح صدره وطيب حياته ما لا يدانيه فيه أحد.
وعند محاولة الوقوف على ما يحقق تلك الطمأنينة القلبية والراحة النفسية فيمكن إجمال ذلك في أمور:
1 ـ أعظم أسباب شرح الصدر التوحيد وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه, ولذلك فإن للشرك ظلمة في القلب واضطراباً في الوجدان بحسب تراكم الشرك عليه.
2 ـ النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، وهو نور الإيمان، فإنه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب.
3 ـ العلم فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا. وأما الجهل فيورثه الضيق والحصر والحبس.
4 ـ الإنابة إلى الله, سبحانه وتعالى, ومحبته بكل القلب والإقبال عليه والتنعم بعبادته.
ولذلك من أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه, فإن من أحب شيئاً غير الله عُذِّب به.
5 ـ دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن: فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب. وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه.
6 ـ الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان.
7 ـ الشجاعة: فإن الشجاع منشرح الصدر واسع البِطان.
8 ـ إخراج دغل القلب وقذاه من الصفات المذمومة.
9 ـ ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم.
وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر واتساع القلب وقرة العين وحياة الروح. فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي. ولكل أحد نصيب من هذا الانشراح وطيب الحياة بحسب متابعته للنبي ـ عليه الصلاة والسلام.
(فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام:125].
وفق الله الجميع لما فيه الخير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.