منطقة اليورو وخطة مارشال
يجمع علماء الاقتصاد على أن العالم بعد جائحة كورونا سيتعرض لأتعاب اقتصادية وأزمات اقتصادية كبيرة، بسبب التداعيات التي تركتها جائحة انتشار الفيروس في كل أنحاء العالم.
والمتابع للوضع الاقتصادي يلاحظ أن الأوضاع في أوروبا تؤكد أن منطقة اليورو ستتعرض لأزمات اقتصادية تعيد الحسابات في تكتل الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة للولايات المتحدة صاحبة الاقتصاد الأول في العالم، فإن الاقتصاد الأمريكي سيشهد تراجعا وانخفاضا في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بما نسبته نحو 12 في المائة، ويتوقع أن يرتفع معدل البطالة إلى 14 في المائة، ويصل العجز في الميزانية الفيدرالية إلى نحو 3700 مليار دولار، وبذلك يعطل فيروس كورونا مسيرة الاقتصاد الأمريكي الذي كان الرئيس دونالد ترمب يراهن عليه قبل شهرين من انفجار الفيروس، وهو ما يهدد ظفر الرئيس بالفوز بولاية ثانية.
أما بالنسبة لمنطقة اليورو، وهو موضوعنا الرئيس، فإن المأزق الذي تواجهه القارة الأوروبية يتمثل في أن التكلفة المالية لتفشي فيروس كورونا ضخمة للغاية، بحيث إنها تؤدي إلى أزمة تصعب مواجهتها إذا لم تتدخل الحكومات بصورة عاجلة لإنقاذ الأوضاع، وفعلا عقد وزراء مالية الاتحاد اجتماعات لتدارك الأوضاع، وأصدروا قرارات من شأنها أن تساعد الدول الأعضاء على تجاوز الأزمة، ولكن الخلافات على الحلول ما زالت قائمة، وتواجه الدول معضلة السحب من الاحتياطيات المالية واستخدام مختلف تدابير الدعم المتولدة من النظام المصرفي، وهذا سيرهق النظام الاقتصادي ويفاقم من الأزمة المحتملة، التي في بداياتها ستكون أزمة ديون، وأزمة الديون ستكون مكلفة للغاية.
وإذا سلمنا بأن جميع دول الاتحاد الأوروبي لديها احتياطيات مالية للتعامل مع الأزمة، إلا أن حجم الاحتياطيات يختلف من دولة إلى أخرى، فألمانيا وهولندا مثلا في وضع أفضل كثيرا من دول مثل إيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، واليونان، وبقدر ما لدى هذه الدول من الاحتياطيات بقدر ما تستطيع أن تحل مشكلاتها المالية، أما بالنسبة للدول التي ليس لديها احتياطيات كافية، فإنها ستعاني أزمة وشيكة.
ويعتقد مراقبون ماليون أن إفلاس جزء من أوروبا يعتمد على الوقت الذي ستستمر فيه أزمة كورونا، فكلما زاد عمر الأزمة زاد معه حجم الخسائر المالية، وهو ما يضعف قدرة أوروبا على مواجهة الكارثة. ولذلك نستطيع القول، إن نقطة الضعف الرئيسة التي ستواجه الاقتصاد الأوروبي بعد الخلاص من جائحة كورونا هو الخلل الذي ستصاب به معظم الميزانيات الأوروبية، والخلل في الميزانيات قد يؤدي إلى هبوط في الناتج الاقتصادي الأوروبي بين 3.1 في المائة في أفضل السيناريوهات إلى 6.5 في المائة في أسوأ السيناريوهات.
من ناحيتها اعترفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بصعوبة الأوضاع الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي بسبب جائحة كورونا، وأكدت أن أزمة فيروس كورونا المستجد تشكل أكبر اختبار للاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه، مؤكدة أن ألمانيا مستعدة للمساهمة في دعم التكتل الأوروبي ودفعه قدما إلى الأمام.
ونستطيع القول، إن موازين القوى في الاقتصاد العالمي ستختلف بعد جائحة كورونا، وإن المشهد الاقتصادي داخل النادي الأوروبي تجب إعادة ترتيبه من جديد، ولا نعتقد أن فرنسا وإسبانيا ستظلان في الصدارة مع ألمانيا وهولندا. وسبق أن اتفق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي على شبكات أمان للدول، والشركات، والأفراد تساوي في المجمل 540 مليار يورو، كذلك اتفق وزراء المالية على أن منطقة اليورو ستحتاج إلى مزيد من الأموال من أجل الدعم والخروج من المأزق الذي وضعته جائحة كورونا أمام اقتصادات هذه الدول.
وسبق أن صوت البرلمان الأوروبي لمصلحة مجموعة من المقترحات، التي تقدم بها الجهاز التنفيذي للتكتل الأوروبي الموحد لمعالجة تداعيات أزمة كورونا، وقالت المفوضية الأوروبية، إن التصويت الذي اتخذته دول الاتحاد الأوروبي يسمح بإعادة هيكلة الأموال من أجل معالجة الأوضاع المتردية وتحقيق التماسك الأوروبي، كما يسمح بتمويل إضافي للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض إلى جانب تدابير أخرى. ويسعى الأوروبيون جاهدين إلى تحريك المنحنى الاقتصادي للأعلى، وإذا نجحوا في ذلك في النصف الثاني من 2020، فإن وسائل الإنقاذ التي اتخذها الاتحاد الأوروبي تكون قد حققت أهدافها بنجاح، وتم إنقاذ اقتصادات دول الاتحاد من الدخول في أزمة يصعب الخروج منها بسهولة.
مما سبق يتضح أن منطقة اليورو تقترب من أزمة اقتصادية حقيقية، وهي تقف أمام اختبار حقيقي على الوجود، إذ إن بقاء الأزمة بأنيابها الشرسة ما زال يهدد بقاء واستمرار الاتحاد على قيد الحياة. فمن الواضح أن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى خطة مارشال ومساعدات إضافية عاجلة، لدعم اقتصادات الدول الأوروبية الكبرى مثل: فرنسا وإيطاليا وإسبانيا التي تضررت كثيرا من جائحة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث.