توجس بين منتجي النفط الصخري الأمريكي .. إيرادات مهددة وآلاف الوظائف معرضة للشطب
واصلت أسعار النفط الخام مكاسبها السعرية لليوم الثاني بالتزامن مع تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، الذي تعهد بتوسيع خطط التحفيز المالي والاقتصادي للتغلب على تداعيات جائحة كورونا.
وتتلقى الأسعار دعما أيضا من قيود الإنتاج التي يفرضها تحالف "أوبك +" خاصة بعد التخفيض المفاجئ والطوعي للسعودية لمستوى إنتاجها بنحو مليون برميل يوميا، إضافة إلى مؤشرات على تقلص المخزونات، بينما يقاوم المكاسب السعرية ضغوط اتساع الإصابات الجديدة بفيروس كورونا، خاصة مع انتشار أكثر من سلالة متحورة جديدة وأسرع في العدوى ما أدى إلى تمديد الإغلاق العام خاصة في أوروبا.
ويقول لـ«الاقتصادية» مختصون ومحللون نفطيون إن حالة توجس بين منتجي النفط الصخري الأمريكي تسود بالتزامن مع تولى الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، الذي لم يخف انحيازه إلى موارد الطاقة النظيفة.
ولفت المختصون إلى أن صناعة النفط والغاز الأمريكية حذرت بالفعل من فقدان الوظائف والإيرادات إذا توقفت إدارة بايدن عن إصدار عقود إيجار للوقود الأحفوري على الأراضي الفيدرالية ولا سيما في نيو مكسيكو التى توفر ما يقرب من 39 في المائة، من ميزانية الدولة.
وأوضح المختصون أن "أوبك" نفت أن تعديل السياسات الإنتاجية بشكل متكرر يربك حسابات المستهلكين، لافتين إلى قول الأمين العام لـ"أوبك" محمد باركيندو أنه مهما كان القرار الذي نتخذه فإننا نضع في الحسبان مصلحة الدول المستهلكة وذلك ردا على تخوفات من الهند في هذا الصدد، موضحا أن وضع السوق المتقلب أجبر "أوبك +" على كثرة تعديل خططها التي ستتم مراجعتها مرة أخرى في أوائل شباط (فبراير) وكل شهر بعد ذلك مشيرا إلى أن الجميع يعرف أن وضع السوق هش مما يتطلب الحذر الشديد.
وفي هذا الإطار، يقول جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد آيه إف" في كرواتيا إن تحالف "أوبك +" يلعب دورا رئيسا في استعادة التوازن في السوق خاصة في ضوء الحفاظ على الشراكة والتفاهمات الجيدة بين السعودية وروسيا وتوقع استمرار العلاقات الجيدة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لافتا إلى أن السعودية قبل أسبوعين أذهلت تجار الطاقة بإعلانها أنها - بدلا من استعادة الإنتاج المتوقف كما هو مخطط له – ستقلص الإمدادات بمقدار مليون برميل أخرى يوميا على مدار شهرين مقبلين.
وأشار إلى أن السعودية اتخذت بالفعل القرار الصحيح الذي يصب في مصلحة الصناعة وازدهارها واستعادة الاستقرار في سوق النفط الخام.
وترى الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة أن "أوبك +" تسعى حثيثا إلى ضبط الأداء في السوق، لذا فإن مكاسب سعرية أفضل قد تكون في طريقها للنفط الخام، مشيرة إلى أن أسعار النفط ارتفعت بالفعل بنحو 8 في المائة منذ فاجأت "أوبك +" بوقف زيادة شهرية جديدة في المعروض تصل إلى 500 ألف برميل يوميا وبدلا من ذلك قامت معظم المجموعة بتثبيت مستوى الإنتاج عند كانون الثاني (يناير) مع زيادات طفيفة لروسيا وكازاخستان، إضافة إلى الخفض السعودي القوي.
وأضافت أن المكاسب السعرية ستستمر بفعل التفاؤل في الإدارة الأمريكية الجديدة وبخطط التحفيز المالي التي تقرها وذلك بالتوازي مع جهود "أوبك +" وعلى أثر ذلك ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت فوق 57 دولارا للبرميل الأسبوع الماضي وهو أعلى مستوى في نحو عام، بينما تراجعت عائدات النفط التي حققتها "أوبك" 46 في المائة لتصل إلى أدنى مستوى لها في 18 عاما عند 323 مليار دولار العام الماضي – بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية-.
من ناحيته، يقول أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة إن بعض المخاوف تسود حاليا لدى المنتجين التقليديين، حيث يمكن أن يؤدى تعافي الأسعار السريع إلى تشجيع الانتعاش في تدفق الإمدادات الجديدة من الحفارين الأمريكيين والمنافسين الآخرين، لافتا إلى بيانات لوكالة الطاقة الدولية تؤكد أن جزءا كبيرا من إنتاج النفط الصخري مربح في الأسعار الحالية.
وأشار إلى تمسك روسيا بإجراء بعض الزيادات في إمداداتها النفطية يأتي مدفوعا جزئيا بالخوف من سد الإنتاج الأمريكي المنافس أي فجوة في الإمدادات خلفتها تخفيضات "أوبك +"، لكن السعودية لديها رؤية مستقبلية جيدة ومدروسة بعناية وهي تهدف من هذا الخفض الكبير إلى الحفاظ على توازن السوق ودعم الأسعار في هذه المرحلة الحرجة، خاصة بعد تفاقم الإصابات نتيجة ظهور سلالات جديدة من وباء كورونا أسرع في الانتشار.
ويضيف دان بوسكا المحلل والباحث الاقتصادي في أحد البنوك الدولية أن اشتداد وتيرة أزمة الوباء واتساع نطاق الإغلاق خاصة بعد تمديد ألمانيا وهي أكبر اقتصاد أوروبي لحالة الإغلاق حتى منتصف شباط (فبراير) كان له دور كبير في تآكل تعافي الطلب، لافتا إلى أنه في المقابل هناك عوامل إيجابية عديدة ومنها القيود السعودية الإضافية على الإنتاج التى من المتوقع معها انخفاض مخزونات النفط بشكل مطرد في النصف الأول من العام الجاري ما يقضي على كثير من الفائض الذي تراكم خلال الأشهر الأولى من الوباء في العام الماضي.
وتوقع أن ينعش نشر اللقاحات النشاط الاقتصادي خاصة في النصف الثاني من العام الجاري ويعجل بتعافي الطلب ومن ثم سيكون من الأنسب لتحالف "أوبك +" العودة إلى زيادة الإنتاج مرة أخرى بأريحية كاملة بسبب احتياج السوق لذلك.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط الخام في السوق الأوروبية، لتواصل مكاسبها لليوم الثاني على التوالي، قبل تنصيب "جو بايدن" رسميا رئيسا للولايات المتحدة أكبر مستهلك للوقود في العالم، وتعهد بايدن بتوسيع الإنفاق المالي في البلاد للتغلب سريعا على الأضرار الناجمة عن جائحة فيروس كورونا.
ارتفع الخام الأمريكي 1.1 في المائة إلى مستوى 53.65 دولار، من مستوى الافتتاح عند 53.07 دولار، وسجل أدني مستوى عند 53.07 دولار، وصعد خام برنت 1.15 في المائة إلى مستوى 56.52 في المائة، للبرميل من مستوى الافتتاح عند 55.88 في المائة، وسجل أدنى مستوى عند 55.88 دولار.
وحقق الخام الأمريكي عند تسوية الثلاثاء ارتفاعا 1.8 في المائة، وصعدت العقود الآجلة لخام برنت 2.1 في المائة، في أول مكسب في غضون الأيام الثلاثة الأخيرة، بدعم التعافي من أدنى مستوى في نحو أسبوعين، إضافة إلى ارتفاع معظم السلع والمعادن المقومة بالدولار الأمريكي.
في ظروف استثنائية تولي الرئيس الأمريكي المنتخب"جو بايدن" مهام منصبه رسميا، ليكون الرئيس رقم 46 في تاريخ الولايات المتحدة، أقيمت مراسم التنصيب في العاصمة الأمريكية "واشنطن" بحلول الساعة 17:00 بتوقيت غرينتش.
وتعهد بايدن بتوسع الإنفاق المالي في الولايات المتحدة، للتغلب سريعا على الأضرار الناجمة عن أزمة فيروس كورونا، التي تعد أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد منذ فترة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.
وكشف بايدن الأسبوع الماضي عن حزمة ضخمة للإغاثة من الفيروس التاجي تصل قيمتها 1.9 تريليون دولار، وأكد على استمرار العمل لتقديم المساعدات المالية للعائلات والشركات المتضررة من الوباء.
وفي الإطار نفسه حثت "جانيت يلين" المرشحة لمنصب وزيرة الخزانة الأمريكية، المشرعين في الكونجرس الأمريكي على التصرف بقوة للتخفيف من الآثار المترتبة على أزمة فيروس كورونا وعدم القلق كثيرا بشأن الديون.
من ناحية أخرى، قال الأمين العام لمنظمة أوبك "محمد باركيندو" إنه متفائل بحذر بأن سوق النفط ستتعافى هذا العام من الركود في الطلب الناجم عن جائحة فيروس كورونا.
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام أوبك وسجل سعرها 54.85 دولار للبرميل يوم الثلاثاء مقابل 53.92 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" الأربعاء إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب عدة انخفاضات سابقة وأن السلة خسرت نحو دولار واحد مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 55.41 دولار للبرميل.