سوء التقييم العقاري أسهم في انهيار المؤسسات المالية العالمية
تمارس مهنة التقييم العقاري منذ زمن طويل, ولم تكن وليدة السنوات الماضية، وذلك لتعدد أسباب التقييم العقاري وكثرة استخداماته وارتباطه المباشر بالتمويل العقاري، حيث إن أقدم الدول الحديثة في مجال التمويل العقاري هي الولايات المتحدة والتي أدخلت نظام التمويل العقاري في أعقاب الكساد الكبير في أوائل الثلاثينيات الميلادية, وقد رافق ظهور التمويل العقاري ظهور منظمات عديدة منها :المنظمة الوطنية لمجلس الأملاك العقارية، منظمة مقيمي العقارات السكنية، والمعهد الأمريكي لمقيمي الأملاك العقارية.
ومع ظهور التمويل العقاري كان لابد من التقييم لحساب الحدود الآمنة للتمويل ومارس المهنة فئات كثيرة أشهرها الوسطاء العقاريون خلال فترة الثمانينيات وهي الفترة ما بين 1980 و1990، والتي شهدت تطورات اقتصادية عديدة كان من جرائها تأرجح أسعار العقارات صعوداً ثم هبوطاً و انهياراً في ولايات عديدة منها ولاية كاليفورنيا والولايات الشمالية الشرقية, ونتيجة لحدوث تغيرات اقتصادية أخرى صاحبت هذا التأرجح انهارت واحدة من كبريات المؤسسات المالية العقارية وهي مؤسسة التوفير والقروض الأمريكية لأسباب كان من أهمها وجود عيوب في نظام التقييم العقاري وهو ما دفع الاقتصاديين إلى الإصرار على ضرورة حصول المقيمين العقاريين على شهادة لممارسة المهنة .
وبدأت تلك المرحلة في تنظيم قوانين المؤسسات المالية وزيادة حدود تأمين الحسابات المالية, ومع زيادة المنافسة بين المؤسسات المالية ووجود فائض مالي لدى عديد منها ومع ارتفاع أسعار الفائدة ووجود قروض عقارية طويلة الأجل سبق منحها بفوائد منخفضة والتي لا تقوى على منافسة القروض قصيرة الأجل عالية الفائدة ولكسب المنافسة انزلق الكثير من مسؤولي المؤسسات المالية عن قلة خبرة أو سوء نية في فخ تمويل عديد من المشاريع ضعيفة الدراسة والتي لم تصاحبها دراسة جيدة لحالة السوق .
ويمكن اعتبار بعض هذه المشاريع عالي المخاطرة في ظروف السوق الجيدة ولكن مع الأسف لم تقف الظروف الاقتصادية والسياسية في صف المغامرين وكان لتغير بعض قوانين الضرائب بإلغاء الحافز الضريبي على العقارات انسحاب عدد كبير من المستثمرين من سوق العقارات. ومع انخفاض أسعار البترول في تلك الفترة انهارت أسعار العقارات الأمر الذي نتج عنه انهيار عديد من المؤسسات المالية التي كانت قد انغمست في النشاط العقاري.
و لعل أحد أهم أسباب انهيار بعض هذه المؤسسات هو سوء أداء أعمال التقييم العقاري في إعداد تقييم حقيقي للأملاك التي تمنح لها القروض.
و قبل انهيار مؤسسة التوفير والقروض الأمريكية لم تكن أي ولاية أمريكية تشترط الحصول على شهادة خبرة لأداء عملية التقييم العقاري وكانت عديد من القروض تمنح عن طريق مقيمين تتعاقد معهم المؤسسات المالية بمعرفتها أو عن طريق تقييم الوسطاء العقاريين, و لكن بعد انهيار السوق في الثمانينيات وانهيار مؤسسة التوفير و القروض عدلت الحكومة الفيدرالية الأمور وبات من الضروري حصول المقيمين العقاريين على شهادة خاصة بأعمال التقييم .
وأصدر الكونجرس تشريع إصلاح و تحديث المؤسسات المالية:
ففي تموز (يوليو) 1991 أصدر الكونجرس تشريعاً بأن تتم كل أعمال التقييم العقاري لأعمال الحكومية بواسطة خبراء تقييم لديهم تصريح أو إجازة ممارسة المهنة من حكومات الولايات.
وتم تقسيم المقيمين العقاريين إلى فئتين هما:
- حاصل على ترخيص Licensed وهو خبير تقييم لأعمال تقل قيمتها عن 250 ألف دولار.
- حاصل على إجازة عمل Certified وهو خبير تقييم لأعمال تتعدى 250 ألف دولار, كما أصدر الكونجرس قراراً بأنه على من يرغب من المؤسسات المالية عدم التقيد بهذا الشرط أن يثبت للحكومة الحدود الدنيا التي يمكن ألا يستعمل معها خبير يحمل إجازة الدولة بنوعيها و ذلك للأعمال التي تقل عن الحد الأدنى وعلى المؤسسة المالية أن تثبت أن هذه الحدود لا تخدم سلامة المؤسسة المالية .
و حفاظاً على سلامة المؤسسات المالية الأمريكية تم إنشاء مؤسستين مهمتين هما:
1- مجلس مواصفات التقييم ( ASB ) Appraisal Standards Board .
ويختص بوضع الاشتراطات الموحدة لكيفية أداء أعمال التقييم وكيفية إعداد التقارير الخاصة بها والمسؤول عن إصدار الاشتراطات الموحدة لممارسة مهنة التقييم العقاري، ومن أهم إصدارات هذا المجلس، اشتراطات أداء أعمال التقييم العقاري، اشتراطات مراجعة التقييم العقاري، اشتراطات تقديم استشارات عقاري، اشتراطات تقييم عقاري جماعي، اشتراطات أداء تقييم الأعمال التجارية، اشتراطات إعداد تقرير تقييم الأعمال التجارية. 2 - مجلس تأهيل المقيمين العقاريين ( AQB ) Appraiser Quantification Board . وهو المسؤول عن تحديد المؤهلات المطلوبة للحصول على أي من شهادتي ممارسة أعمال التقييم
License * Certification كما أوجب الكونجرس على حكومات الولايات المانحة لشهادة الخبراء العقاريين أن تتقيد بالحدود التي وضعها هذان المجلسان .
ومع كثرة التشريعات والقوانين التي تخدم التثمين العقاري وتنظمه وعلى الرغم من تطور تلك القوانين بما يناسب كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية إلا أنها لم تكن كافية للحؤول دون وقوع كارثة مالية حقيقية شلت الاقتصاد الأمريكي برمته وامتدت آثارها لتضرب أغلب دول العالم.
وهذا أبرز برهان على الدور المهم والخطير الذي تلعبه عملية التثمين العقاري, فهو سلاح ذو حدين, فالمقيم العقاري لا يكفيه أن يكتسب المتطلبات الحكومية كالشهادات والإجازات لممارسة عمله بل لا بد له أن يتحلى بالمثل والقيم التي تكون حاكمة دائماً على عمله وتقييمه.
وقد لجأت عديد من الدول الحديثة إلى وضع الضوابط المتشددة لاجتياز الاختبارات والمعايير الموضوعة من قبلها لاعتماد المقيمين العقاريين, ففي الصين مثلاً لا تتعدى نسبة المجتازين للاختبارات 7 في المائة فضلاً عن اشتراطها في المتقدم أن يحوز على خبرة عملية لا تقل عن 15 عاماً وأن يجتاز مجموعة من الاختبارات التحريرية والميدانية التي تثبت تأهيله لهذه المهنة المهمة مما جعل عدد المقيمين العقاريين فيها لا يتجاوز 35 ألفاً في دولة يزيد عدد سكانها على مليار نسمة, وكذلك الحال في كثير من الدول.