سوق العقار العالمية بين التصحيح وانفجار فقاعة الأسعار .. 3.7 تريليون دولار قيمتها في 2025
إلى أين يتجه قطاع العقار العالمي، هل ستمر السوق العقارية الدولية بأوقات عصيبة تشبه ما حدث لها في الأزمة العالمية عام 2008، أم أن المتغيرات الاقتصادية على أرض الواقع تجعل خبراء العقارات والمطورين العقاريين متفائلين تجاه المقبل من الأيام؟
في حقيقة الأمر لا توجد وجهة نظر واحدة متفق عليها بين الخبراء في هذا الشأن، فالجميع يقف أمام مجموعة متباينة من التقديرات حول تقييم مسيرة القطاع وطبيعة التحديات التي ستواجهه.
المجموعة الأولى من الخبراء ترى أن جائحة فيروس كورونا أدت إلى إغلاق عديد من الأسواق العالمية، وأسفرت عن توقف الشركات عن العمل، وخسر عشرات الملايين من العمال وظائفهم، ومن ثم تعرضت سوق الإسكان العالمية لحالة من الركود والجمود العميق، والأخطر أنه نتيجة ارتفاع معدلات البطالة والركود الاقتصادي زاد عدد الأشخاص الذين يطلبون من المقرضين مزيدا من الوقت لسداد أقساط الرهن العقاري.
تلك الأوضاع الاقتصادية السلبية أوجدت شعورا عاما بالخوف من أن سوق العقار العالمية - خاصة في الاقتصادات الكبرى أو سريعة النمو التي تعتمد عليها لدفع معدلات النمو فيها - باتت على وشك الانهيار.
فتقلص الدخول المتاحة نتيجة حالات الإفلاس في القطاع الخاص إضافة إلى البطالة جعلت أصحاب العقارات غير قادرين على سداد ديونهم العقارية، وبالطبع لم يعد هناك طلب حقيقي قوي في الأسواق على عقارات جديدة، بل إن الأشخاص الذين يمتلكون أكثر من منزل اضطروا في كثير من الأحيان إلى بيع جزء من ملكيتهم العقارية حتى يستطيعوا مواكبة الضغوط المعيشية، وأسهم ذلك - من وجهة نظر بعض الخبراء - في انخفاض الأسعار، إذ بيعت تلك العقارات بأسعار أقل مما يمكن أن تباع به في أوقات الازدهار الاقتصادي أو حتى الأوضاع الطبيعية، كما أوجدت ضغطا هبوطيا على الأسعار.
مقابل هذا التقييم السلبي لتأثير وباء كورونا في سوق العقار العالمية، يرى ماكس وليام الخبير العقاري في شركة فكستون للعقارات أن الوباء وسياسات الإغلاق أوجدا بعض التشوهات في السوق العقارية الدولية، لكنها لم تؤثر في الأسعار، بل إن أسعار المساكن ارتفعت - من وجهة نظره - وأن تفشي الوباء انعكس إيجابيا على الاتجاه العام لأسعار المنازل.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن من بين 37 دولة غنية تشكل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ارتفعت الأسعار الحقيقية للمنازل بنسبة 7 في المائة، وهو أسرع نمو سنوي للعقارات في دول المنظمة خلال العقدين الماضيين".
ويرى ماكس وليام أن اللاعبين الرئيسين في تلك الصناعة لديهم الآن آمال كبيرة بأن يؤدي التعافي الاقتصادي الذي يقوده الإنفاق الاستهلاكي إلى زيادة في الطلب العالمي على العقارات في النصف الثاني من هذا العام، مشيرا إلى أن دولا مثل الصين وإسبانيا شهدت زيادة في المبيعات في الأشهر الأخيرة.
المثير في الأمر أنه حتى الخبراء الذين يرون أن هناك ارتفاعا في أسعار العقارات عالميا، توجد بينهم اختلافات ملموسة عندما يتعلق الأمر بالتساؤل حول: هل ستتواصل تلك الزيادة السعرية في المرحلة المقبلة أم أننا أمام فقاعة عقارية قابلة للانفجار في أي وقت وانهيار الأسواق؟
لورين ديفيد الخبيرة العقارية ترى أن العالم أمام فقاعة عقارية، وأن الوضع الراهن للقطاع العقاري لا يتفق مع حقيقة وضع الاقتصاد العالمي.
وتقول لـ"الاقتصادية"، "الزيادة السعرية الراهنة مرجعها نشوء سلوكيات جديدة نتيجة سياسة الإغلاق، ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال أي منزل فيه إمكانية لأن يضم مكتبا يمكن العمل منه بدلا من التوجه يوميا إلى العمل، وهذا المنزل يمكن الوصول إليه في غضون ساعة بالقطار من لندن، زادت قيمته السوقية بـ10 في المائة على الأقل، الآن ومع نجاح سياسة التطعيم باللقاحات المضادة لفيروس كورونا سيبدأ الناس العودة إلى مكاتبهم، وستتراجع أسعار المنازل، كما أن الشركات العقارية والمطورين العقاريين سيبدأون في زيادة العرض، ما سيؤثر سلبا في الأسعار".
مقابل وجهة النظر تلك ترى إلين أستون الخبيرة الاستثمارية أن "الاستثمار في القطاع العقاري استثمار ناجح عالميا في الأعوام المقبلة".
وتؤكد لـ"الاقتصادية" أن الاقتراض لا يزال رخيصا، وبمجرد إزالة قيود السفر سيتدفق رجال الأعمال والأثرياء والمستثمرون على الاقتصادات الغنية في أوروبا والولايات المتحدة ودبي وبعضدول أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا للاستثمار في المجال العقاري، الذي كان مدفوعا في الفترة الماضية بالمستثمرين المحليين فقط، وهذا الوضع سيستمر في الأشهر المتبقية من هذا العام والعام المقبل.
وتشير إلين أستون إلى أن التقديرات الراهنة تكشف أن سوق العقارات العالمية ستنمو من 2687 مليار دولار العام الماضي إلى 2774 مليار دولار عام 2021، وبحلول عام 2025 سيصل إلى 3717 مليار دولار بمعدل نمو سنوي 8 في المائة.
وفي الواقع فإن سوق العقار العالمية تكشف أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي الأكبر في سوق العقارات العالمية، حيث استحوذت على 40 في المائة من السوق العام الماضي، تليها دول أوروبا الغربية وتعد ثاني أكبر المناطق بحصة سوقية تبلغ 24 في المائة من سوق العقارات الدولية.
مع هذا يتوقع دي. سي ماتيس الخبير المصرفي في مجموعة لويدز المصرفية أن تشهد الأسواق العقارية الدولية موجة تصحيحية بعد نحو عامين من الآن، حيث إن شروط الإقراض العقاري لن تظل مواتية إلى الأبد، كما يمكن للبنوك أن تتخذ إجراءات لتشديد الإقراض العقاري لتهدئة الأسواق.
ويعلق لـ"الاقتصادية" بالقول، "عملية الدعم الحكومي للاقتصادات الوطنية خلال العام الماضي تقدر بتريليونات الدولارات على المستوى العالمي، وقد قامت الحكومات بتوسيع دائرة الاقتراض من أسواق المال العالمية، لتوفير الأموال الضرورية لدعم الاقتصاد المحلي، هذا أوجد خللا في معظم الميزانيات العامة في الدول المتقدمة والناشئة على حد سواء، ولذلك لا بد من العمل خلال الفترة المقبلة على إصلاح هذا الخلل، وإعادة التوازن إلى الميزانيات العامة، وهذا يتطلب وضع سياسات ضريبية جديدة تتضمن زيادة في الضرائب على الأراضي والمعاملات والعقارات".
ويضيف "حتى الآن فإن المعدلات المتدنية للغاية للرهن العقاري لا تزال المحرك الرئيس لسوق العقارات خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، لأنها تجعل الاقتراض في متناول الجميع، وحتى مع ارتفاع التضخم من المتوقع أن يحافظ صناع القرار الاقتصادي على المستوى العالمي على أسعار فائدة منخفضة لضمان تواصل الانتعاش الاقتصادي، لكنهم ربما يضطرون إلى تغيير المسار إذا واصلت أسعار العقارات الارتفاع واستقرت عند مستويات مرتفعة".