الافتنان بالغرباء
رافقت صديقا أثناء زيارته منزل أحد زملائه الذي تعرض لوعكة صحية بسيطة. لم تستغرق الزيارة أكثر من عشر دقائق، لكن الحديث عنها استغرق أعواما.
كلما التقيته ذكرني بأبناء زميله.
فطنتهم ومهاراتهم ووقوفهم بجانب أبيهم خلال تعبه.
يستعيد كلما رآني الحفاوة التي عانقونا بها خلال زيارتنا القصيرة.
لم يقتصر إطراؤه على أبناء زميله فحسب، إنما امتد إلى الشاي الذي تناولناه، والفطائر التي تذوقناها هناك.
لقد كان وما زال يشيد بزميله وأبنائه ويندب حظه العاثر.
اللافت أن الله رزق صديقي أبناء ماشاء الله، بارين متميزين في سلوكهم ودراستهم وطموحهم ومهاراتهم، بشهادتي وشهادة غيري.
لقد أتيحت لي فرصة زيارة المنزلين، منزل صديقي ومنزل زميله، وأكاد أجزم أن ما حبا الله به صديقي لا يقل عن زميله، وربما يتجاوز ذلك.
ولكنه الافتنان بالآخرين، واعتياد النعم الذي يفقدنا الإحساس بها.
لا شيء أسوأ من أن نألف ما لدينا، ونقلل من شأنه، ونمجد ما لدى غيرنا، ونرفعه إلى أعلى سماء.
إنه افتنان أليم ومزعج وقاس.
جميل أن نستلهم ونقتفي ونهتدي من التجارب الجميلة حولنا، لكن دون أن ننظر بدونية إلى ما لدينا.
أسعدني جدا عندما رأيت زميلي يتحدث بلطف ولين وإجلال وتقدير مع أبناء زميله، وفي المقابل ساءني جدا حينما شاهدت صديقي يتعامل بفظاظة وقسوة وجفاء مع أبنائه.
يقرعهم أمامنا، ويجرحهم بجوارنا.
حولنا كثير من النعم التي لا نعيها ولا ندركها ولا نستوعبها، إلا إذا زالت منا وغادرت.
حينها تغشانا الصدمة وينهبنا الندم.
استثمر يا صديقي النعم التي لديك، وما زالت على قيد الحياة.
امنحها ما تستحق من امتنان وثناء واهتمام، قبل أن تغادر وتتركك أسيرا لحزنك وحسرتك.
تذكر أنك عندما تلتقي غريبا تصافحه للحظات.
لا ترى عيوبه بخلاف قريبك الذي يلازمك وتتأمل عيوبه بالمجهر.
الغريب يتيح لك دائما مشاهدة القليل وأجمل ما فيه.
فلا تنس أنه يخفي عيوبه بمهارة تمنع وصولك إليها.
خفف يا صديقي من افتنانك بالغرباء، وعزز من امتنانك للأقرباء.