هل ستفوضها وترتاح؟
الإدارة ظاهرة إنسانية قديمة قدم الإنسان نفسه، ومارسها قبل أن يحدد معناها ومفهومها وقبل أن يصيغ أسسها النظرية، ومع بداية القرن الـ 20 بدأ علم الإدارة يخطو خطواته الأولى نحو المهنية والتخصص،عندما اجتهد كل من الأكاديميين والممارسين بوضع تصوراته ونظرياته نحوها، كل حسب معرفته وخبرته ومنظوره الشخصي، وقد استمر هذا الوضع حتى وقتنا الحاضر وسيستمر كذلك، فمن التعاريف البسيطة للإدارة تعريف كونتز وزميله أودانول، أن الإدارة هي وظيفة تنفيذ الأشياء، عن طريق الأشخاص، أما كامل المغربي، فقد عرفها بصورة أكثر شمولاً، أنها عملية التنسيق بين جميع عوامل الإنتاج ـ البشرية وغير البشرية ـ باستعمال وظائف التخطيط والتنظيم والقيادة والإشراف والرقابة حتى يمكن التوصل إلى الهدف المطلوب وبأقصى كفاية ممكنة. وأجد نفسي متفقة مع كلا التعريفين تجاه الإدارة عند طرح موضوع مقال اليوم حول تفويض السلطة كأداة إدارية مهمة للإدارة الحديثة.
واستناداً إلى تعريف المغربي للإدارة، فالتنظيم يعد الوظيفة الإدارية الثانية، وفيها يعمل المدير على تحديد الأهداف وتوزيع المسؤوليات والسلطات والاختصاصات، وما تتطلبه من إجراءات يجب اتباعها لتنفيذ الأعمال ومن ثم تحقيق أهداف المنظمة. هذا التوزيع للمسؤوليات من جانب المدير ضرورة من ضرورات النجاح في الإدارة، فالمدير مهما ارتفع مستوى تأهيله العلمي والمهني في مجال الإدارة أو في طبيعة العمل ومهما تمكن من مهارات العمل، يظل فردا ليس بمقدوره إدارة شؤون المنظمة بمفرده، بل يحتاج إلى مساعدة الآخرين ليقوموا بالعمل بأعلى قدر من الكفاية.
ومن هنا نبعت الحاجة إلى استخدام أداة إدارية هي " تفويض السلطة" وهي أسلوب يستخدمه الرئيس (المدير) بإيداع الجزء الأكبر من العمليات (أو الوظائف الإدارية) إلى أشخاص آخرين غالباً ما يكونون المرؤوسين، ويحتفظ بالجزء المهم منها لنفسه. وبمعنى آخر أنها تعني منح شخص ما السلطة أو القوة التي تمكنه من توجيه الآخرين وإصدار الأوامر والتعليمات لإنجاز مهمة أو عمل معين معهود له، على أن يلتزم بأداء العمل ويتحمل المسؤولية التامة عنه.
من هذا المنطلق يترتب على تفويض السلطة عدد من المزايا منها: تفرغ المدير لعملية التخطيط، والتركيز على إنجاز المهام الحيوية في المنظمة، وسرعة إنجاز الأعمال، وتدريب وتأهيل المرؤوسين على تحمل مسؤولية الأعمال الإدارية للوظائف الأعلى، وخلق مناخ تنظيمي تسوده روح العمل الجماعي والمشاركة والتعاون لإنجاز العمل بكفاءة عالية. كما يوفر للمنظمة الوقت والجهد لاستقطاب قيادات مؤهلة من خارج المنظمة في حال انتقال أو ترقية القيادات الحالية إلى مستويات أعلى.
ومما يؤسف له أن مفهوم تفويض السلطة يشوبه الكثير من سوء الفهم لدينا، فمن المديرين ما يعتقد أن تفويض السلطة يعني فقدانه بريق القيادة بسب انتقال سلطة التوجيه لشخص آخر، ومنهم من يعتقد أن عدم توافر الكفاءات المؤهلة يعد مبرراً لعدم تطبيق التفويض في الإدارة، ومنهم من يلقي باللوم على عدم توافر الوقت والجهد لتطوير مهارات أو إرشاد وتوجيه من يفوض لهم السلطة، وهناك من يرى نفسه أكفأ الناس في العمل، ويخاف من المخاطرة ولا يثق بأي من مرؤوسيه ومساعديه للقيام بأي عمل من أعماله.
إن سيطرة هذه المفاهيم والممارسات الخاطئة على عقول وممارسات المديرين في القطاعين العام والخاص تضر بمصلحة المنظمة ومصلحة الأفراد العاملين فيها، فهي تحرم المنظمة من ظاهرة إيجابية تسمى جماعية القيادة، ومن فرصة إعداد جيل من القيادات المستقبلية المؤهلة المدربة على القيام بجميع جوانب العمل، أما العاملون فحرمانهم من تفويض السلطة للقيام بوظائف رؤسائهم يعنى مساحة أقل للتمتع بالإثراء الوظيفي والفرص لاستثمار قدراتهم، ويعني أيضاً محدودية الخبرة والمعرفة الجديدة، وكل ذلك يؤدي إلى الشعور بعدم الفاعلية والإنجاز، وانخفاض مستوى الرضا الوظيفي عن العمل بوجه عام.
خاتمة: أختم بمقولة الدكتور أحمد العيسى مدير جامعة اليمامة الأهلية نشرت ضمن لقاء صحافي في جريدة "الحياة" بتاريخ 10/3/2009، إذ يقول: "لقد كانت مشكلة التنمية, ولا تزال هي الإدارة الفاعلة التي تستطيع أن تحول الأرقام والأموال والاستراتجيات إلى واقع مشاهد على الأرض"، وأضيف إلى ذلك بالقول:
إن الإدارة الفاعلة هي التي تلجأ لتطبيق أسلوب تفويض السلطة على أصوله السليمة لتحقق أهداف المنظمة وأهداف العاملين على حد سواء، فهل يقوم عزيزي المدير بعد قراءة هذا المقال بتفويض سلطته ويرتاح؟