صناعة القهوة والاستثمار في شركاتها

ربما تكون واحدا من مئات الملايين من البشر الذين يتناولون القهوة يوميا، عربية كانت أم تركية أم أمريكية أم غيرها، بل ربما أنك تتصفح هذا التقرير وفي يدك كوبا من القهوة يساعدك على التركيز والتحفيز الذهني. إنها القهوة، المشروب الأكثر تناولا في العالم، التي دخلت البيوت وأدمنتها الشعوب. ما حجم سوق هذه السلعة؟ وإلى ماذا يعود تاريخها؟ وما جدوى الاستثمار في الشركات المتعلقة أعمالها بإنتاج القهوة أو توزيعها أو تقديمها؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا التقرير عن صناعة القهوة والاستثمار فيها.

تاريخ القهوة
وفقا لرابطة البن في الولايات المتحدة، هناك عديد من الأساطير حول كيفية اكتشاف القهوة وتاريخها، حيث يشير أحد الأقاويل إلى بداية القهوة في غابات البن في الهضبة الإثيوبية، والقصة ملاحظة أحد رعاة الماعز زيادة نشاط رعاياه بشكل كبير للغاية وعدم رغبتها في النوم ليلا، وذلك بعد تناولها بعض حبيبات القهوة، ومن هناك وبحلول القرن الـ15 انتقلت زراعة هذه السلعة إلى شبه الجزيرة العربية، ثم أصبحت تزرع في اليمن ومن ثم في بلاد فارس ومصر وسورية وتركيا.
وبحلول القرن التالي، ومع ارتحال آلاف الحجاج من أنحاء العالم إلى مكة، بدأت المعرفة بالقهوة تنتشر وتشتهر. وبحلول القرن الـ17 شقت القهوة طريقها إلى أوروبا، وهناك كان تفاعل بعض الناس معها يشوبه الريبة والخوف للدرجة التي دفعت رجال الدين هناك إلى إدانة القهوة، تزامنا مع وصولها إلى البندقية في 1615، حيث طلب من البابا "كليمنت" الثامن التدخل لإبداء الرأي الشرعي فيها، فجاء رده بالقبول بعد تذوقه لها، فأسبغها مباركته البابوية، وبدأت القهوة تحل محل المشروبات الأخرى. وبحلول منتصف القرن الـ17 كان هناك أكثر من 300 مقهى في لندن.
وعلى الرغم من ظهور المقاهي بشكل سريع، إلا أن الشاي ظل المشروب المفضل عالميا حتى عام 1773 حين أتت الضريبة الباهظة عليه، التي فرضها ملك بريطانيا جورج الثالث، ما غير وجهة الأمريكيين إلى الأبد نحو القهوة، حيث وصفها الرئيس الثالث لأمريكا توماس جيفرسون بأنها المشروب المفضل للعالم المتحضر، لتصبح القهوة أحد أكثر محاصيل التصدير ربحية في العالم بعد النفط الخام بحلول نهاية القرن الـ18.

فوائد القهوة وأضرارها
وفقا لفرانك هو، رئيس قسم التغذية في كلية "هارفارد تي إتش تشان" للصحة العامة، تعد القهوة صحية أكثر من كونها ضارة، فمع التناول المعتدل لها، وهو ما يعادل ما بين كوبين إلى خمسة أكواب يوميا، وجد أنها تؤثر في انخفاض احتمال الإصابة بالسكري، وأمراض القلب وسرطان الكبد ومرض باركنسون والاكتئاب. وقد أشار فرانك هو، إلى أن الأبحاث السابقة التي أشارت إلى علاقة القهوة بأمراض القلب والربو، شملت عديدا ممن يدخنون، ما ضلل الباحثين بكون القهوة المتسبب في هذه الأمراض. ورغم ذلك، حذر فرانك من أن هناك مجموعات مثل الأطفال أو الحوامل لا يزال غير معروف تأثير الكافيين الموجود في القهوة عليهم. وعموما، يقترح الخبراء، وفقا للباحثين في هذه الكلية، بضرورة فلترة القهوة باستخدام مرشح ورقي، حيث ترتبط القهوة غير المفلترة بمعدلات أعلى من الوفاة المبكرة، إضافة إلى احتمالية احتوائها على مركبات ترفع مستويات الكوليسترول الضار في الجسم.

استهلاك القهوة
وفقا لمنظمة أيكو الحكومية الدولية، ارتفع استهلاك البن العالمي من 9.9 مليون طن في 2019 إلى عشرة ملايين طن في 2020، بنمو 1.3 في المائة وبمعدل استهلاك 316 كيلو جراما في الثانية الواحدة، ما يعني أن استهلاك البن مقابل الشاي يعادل 1.6 مرة، وعلى الرغم من ذلك لم تصل مستويات الاستهلاك إلى ما قبل كورونا، حيث كان الاستهلاك العالمي من القهوة في 2018 نحو 10.1 مليون طن.

أوروبا الأعلى استهلاكا
تستهلك القارة العجوز نحو ثلث الاستهلاك العالمي بمفردها بإجمالي 3.25 مليون طن في عام 2020، تليها قارة آسيا والدول المحيطة بها بإجمالي 2.2 مليون طن، وفي المرتبة الثالثة أمريكا الشمالية 1.9 مليون طن، والرابعة أمريكا الجنوبية بإجمالي 1.63 مليون طن، ثم إفريقيا بنحو 0.74 مليون طن، وأخيرا أمريكا الوسطى والمكسيك 0.32 مليون طن.

هولندا الأكبر عالميا من حيث نصيب الفرد ولبنان الأول عربيا
وفقا لموقع "ستاتيستا"، بلغ نصيب الفرد من الاستهلاك السنوي للقهوة في هولندا خلال 2020 نحو 8.3 كيلو جرام، وجاء لبنان في المركز الأول عربيا والسادس عالميا من حيث استهلاك الفرد بمتوسط 5.3 كيلو جرام. ووفقا لموقع "ستيب فييد"، تأتي السعودية في المركز الخامس عربيا باستهلاك 1.6 كيلو جرام للفرد، ومصر في المركز 16 عالميا 100 جرام. إلا أن موقع "ورلد أطلس" يعطي فنلندا المركز الأول بمتوسط استهلاك للفرد يبلغ 12 كيلو جراما، وكذلك دول اسكندنافية أخرى حصصا أكبر من هولندا.

نمو إنتاج البن العالمي في 2020 /2021
بلغ إجمالي الإنتاج العالمي من القهوة من منتصف 2020 إلى منتصف 2021 نحو 10.6 مليون طن، وفقا لوزارة الزراعة الأمريكية، وذلك بنسبة نمو 3.8 في المائة عن العام السابق. وينقسم هذا الإنتاج إلى قسمين، أولها القهوة من نوع "أرابيكا" بإجمالي 6.1 مليون طن، وهي شجرة تنمو بطول ما بين 2.5 إلى 4.5 متر في درجة حرارة ما بين 15 إلى 24 درجة مئوية، وتأتي ثمارها في شكل بيضاوي بخط فاصل له انحناء واضح في وسط الحبة، أما النوع الآخر فهو "روبوستا"، والذي يحتاج إلى درجة حرارة أعلى، ما بين 18 و36 درجة، وبذلك يحتاج إلى معدل أمطار أكبر، وتتميز الحبة فيه بشكل دائري وبخط فاصل شبه مستقيم، ويحتوي هذا النوع على ضعف الكافيين الموجود في "أرابيكا" وأيضا نسبة أعلى من مادة "كلورجينيك"، في حين تحتوي حبة "أرابيكا" على ما بين 15 إلى 17 في المائة دهون، ومن 6 إلى 9 في المائة سكر، مقارنة بالروبوستا التي لديها من 10 إلى 11.5 في المائة دهون ومن 3 إلى 7 في المائة سكر.

56 في المائة من الإنتاج العالمي في البرازيل وفيتنام
يتركز نحو 56 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي من القهوة في البرازيل وفيتنام، في حين أن 63 في المائة من إجمالي قهوة "أرابيكا" من البرازيل وكولومبيا، ومن المتوقع أن ينخفض حجم الإنتاج العالمي من البن في العام الحالي 6.2 في المائة.
ووفقا لـ"جلوبال نيوز وير"، بلغت قيمة سوق البن العالمية 466 مليار دولار في 2020، ومن المتوقع أن تنمو السوق بمعدل فائدة مركبة 7 في المائة خلال الأعوام الخمسة التالية، وفقا لمركز "ستاتيستا"، وأن يتم 21 في المائة من إجمالي استهلاك القهوة خارج المنازل. وبحسب المعهد الدولي للتنمية المستدامة، يوفر القطاع فرص العمل لـ125 مليون شخص عالميا. كما أن هناك نحو 12 مليون مزرعة في العالم، بحيازات متعددة المساحات، بينها 70 إلى 80 في المائة مزارع لأصحاب الحيازات الصغيرة. وقد سجلت أسعار القهوة تعافيا صافيا خلال العام الجاري، وذلك من المستويات المنخفضة التي شهدتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، حيث وصلت أسعار البن في سبتمبر الماضي إلى مستويات قياسية جديدة بزيادة 6.2 في المائة عن أغسطس.

صادرات القهوة عالميا
سجلت صادرات القهوة العالمية لعام واحد، حتى منتصف 2021، نحو 8.5 مليون طن، بنمو 2.9 في المائة على أساس سنوي، وفقا لوزارة الزراعة الأمريكية، حيث بلغت حصة البرازيل وفيتنام معا 50 في المائة، وشكلت صادرات حبوب القهوة 85 في المائة من إجمالي الصادرات واستحوذت القهوة المحمصة والمطحونة على 3.6 في المائة، في حين أن منتجات القهوة القابلة للذوبان سجلت 12 في المائة. ويتربع الاتحاد الأوروبي وسويسرا على قائمة مصدري القهوة المطحونة والمحمصة بنسبة 76 في المائة من إجمالي صادراتهما.

واردات القهوة عالميا
تستورد الولايات المتحدة نحو 22 في المائة من إجمالي الواردات العالمية من القهوة، لذا فهي الأكثر استيرادا عالميا، أما الأكثر عربيا فهي الجزائر 1.65 في المائة من إجمالي سوق واردات القهوة. ويلاحظ ارتفاع واردات كثير من الدول مقارنة بحجم استهلاكها، ويعود ذلك إلى عمليات إعادة التصدير، فنحو 38 في المائة من واردات القهوة يعاد تصديرها مرة أخرى. وتتصدر ألمانيا المشهد، حيث تعيد تصدير أكثر من 61 في المائة من إجمالي وارداتها من البن، ويعيد الاتحاد الأوروبي كله توريد 2.4 مليون طن بن، وهو ما يشكل 51 في المائة من إجمالي وارداته، وتصل نسبة إعادة التصدير إلى 86 في المائة في بلجيكا وتعلو إلى 89 في المائة في قبرص.

مخزون القهوة عالميا
بلغ إجمالي مخزون القهوة العالمي 2.4 مليون طن خلال عام 2020 /2021، ومن المتوقع أن ينخفض في العام الجاري إلى أدنى كمية له خلال خمسة أعوام ليصل إلى 1.9 مليون طن، حيث يحتفظ الاتحاد الأوروبي بأكبر قدر من مخزون البن بإجمالي 966 ألف طن، تليه الولايات المتحدة 383 ألف طن، ثم البرازيل 241 ألف طن، ثم فيتنام 176 ألف طن، ثم 174 ألف طن لليابان.

أكبر شركات القهوة عالميا
فيما يلي نلقي نظرة على بعض الشركات الكبرى العاملة في مجال القهوة، بعضها شركات مدرجة وبعضها غير مدرجة، أو أنها كانت مدرجة ومن ثم تحولت إلى شركات خاصة.

شركة ستاربكس
وفقا لـ"إنسايدر مانكي"، هناك عديد من الشركات التي لديها علاقة قوية بسلعة القهوة كلها، سواء بالإنتاج أو التصنيع، وأولى هذه الشركات الغنية عن التعريف هي شركة المقاهي الأمريكية "ستاربكس"، التي لديها نحو 33 ألف محل حول العالم. وهذه الشركة تشتهر ببيع المشروبات الساخنة والباردة والقهوة والشاي، عبر أكواب مخصصة لذلك، وتبيع أيضا ما يعرف بكبسولات القهوة في المنزل عبر قنوات مختلفة، إلى جانب تقديمها المعجنات والمخبوزات ومواد غذائية معينة.
يعمل لدى الشركة التي أسست منذ 50 عاما نحو 349 ألف موظف، وتقدم منتجاتها تحت عديد من الأسماء التجارية كـ"تيفانا"، "سياتل بيست كوفي"، "إيثوس"، وغيرها. سجل الربع الثالث للشركة والمنتهي بنهاية يونيو، نموا في صافي الربح 75 في المائة على أساس ربع سنوي، وذلك أعلى 24 في المائة عن صافي ربح العام المالي لعام 2020.

شركة دانكن دوناتس
شركة "دانكن دوناتس" هي إحدى كبريات شركات القهوة عالميا، كانت مدرجة أسهمها في بورصة ناسداك حتى نهاية 2020، ومن ثم تم تحولها إلى شركة خاصة مملوكة لشركة "إنسبير براند". وأسست الشركة في 1948 باسم "أوبن كيتل"، ولديها أكثر من 11 ألف منفذ بيع في 36 دولة، إلا أن الولايات المتحدة هي أكبر سوق لها بإجمالي 8500 متجر. وقد بدأت الشركة ببيع القهوة ومن ثم توسعت قائمتها لتشمل المخبوزات والسندويتشات والسلطات، وشهدت "دانكن" انخفاضا في مبيعاتها بسبب كورونا، حيث وصلت مبيعاتها إلى 1.3 مليار دولار فقط في 2020. ولمواجهة الخسارة، حدثت الشركة قائمتها بتقديم ما يعرف بمشروب شارلي، الذي رفع من معدلات تحميل تطبيقها 57 في المائة.

شركة براندز إنترناشيونال
هي شركة قهوة كندية منتشرة في 14 دولة عبر نحو خمسة آلاف منفذ، ولديها حق الامتياز لأكثر من 18 ألف مطعم في نحو 100 دولة، وعلى الرغم من أنها بدأت بالقهوة والكعك، إلا أن قائمتها توسعت لتشمل مشروبات متنوعة وشوربات وسندويتشات أخرى، حتى أنها أصبحت تقدم الدجاج والمأكولات البحرية. يعمل لدى الشركة 5200 موظف، وقد عانت الشركة، كغيرها، أزمة كورونا وتراجع صافي ربحها خلال 2020 بنسبة 24 في المائة على أساس سنوي، إلا أن الشركة حافظت في الأعوام الثلاثة الماضية على صافي أرباح تخطى 600 مليون دولار سنويا.

شركة كوستا كوفي
هي شركة بريطانية مملوكة لشركة المشروبات الغازية الشهيرة "كوكاكولا"، أسست في 1971 من قبل شقيقين كانا يريدان في البداية بيع القهوة المحمصة لمتعهدي تقديم الطعام والمقاهي الإيطالية المتخصصة. توجد مقاهي كوستا في 32 دولة، بأكثر من 3100 متجر، وقد أصبحت "كوستا كوفي" في 2019 تابعة لـ"كوكاكولا" بصفقة قيمتها 5.4 مليار دولار، واحتفظت بحصة 29 في المائة من إجمالي سوق سلسلة القهوة ذات العلامات التجارية في المملكة المتحدة، وبلغت مبيعات الشركة في 2020 أكثر من 2 مليار دولار.

شركة إم سي كافي
أسست الشركة المملوكة لشركة ماكدونالدز في ملبورن في أستراليا عام 1993، وهي سلسلة أطعمة ومشروبات على طراز المقاهي، تلبي رغبات المستهلكين في تناول قهوة الإسبريسو، حيث تحافظ على مكانتها كواحدة من أكبر شركات القهوة عالميا بأكثر من 15 ألف محل منتشر في أنحاء العالم. وقد لاقت الشركة شهرة واسعة عقب إنشائها بفترة وجيزة، حيث كانت مبيعات محالها في وقت من الأوقات تتجاوز مبيعات محال "ماكدونالدز"، وهي الآن موجودة في معظم مطاعم الشركة.

خاتمة
ألقى هذا التقرير الضوء على عالم القهوة، من حيث تاريخها وتناولها وإنتاجها واستهلاكها، وعرضنا بعض الشركات المدرجة التي تعمل في مجال القهوة، وذلك بعرض بعض بياناتها المالية، والاطلاع على تحركات أسهمها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.