وأعوذ بك من العجز والكسل
تخيل أن شخصا ما كان على متن باخرة في المحيط الهندي واصطدمت بجبل ثلجي أدى إلى حدوث عطب كبير فيها وتدفق الماء بداخلها مما اضطر القبطان لسرعة إخبار الركاب أن السفينة على وشك الغرق، وأن هناك القليل فقط من قوارب النجاة المتوافرة، وهم مضطرون للقفز في المياه المثلجة الخالية من أي قارب لخفر السواحل في منطقة مليئة بالتماسيح والقروش، ولا مفر من القفز ولا يوجد بديل آخر يستطيع ذلك الشخص اختياره، ولا يمكنه إحداث أي تغيير بسيط في الموقف، فهنا فقط يمكن لذلك الشخص أن يستخدم كلمة العجز، مع أن الله إذا قدر له النجاة فلا راد لأمره مهما كانت صعوبة الأحوال، فلقد سمعنا عن تلك العائلة السعودية التي عاشت كارثة غرق عبارة السلام التي غرق كثير من ركابها ومع ذلك فقد لم الله عز وجل بقدرته شمل تلك العائلة المبعثرة في أمواج البحر من حدب وصوب مختلفين وجمعهم سالمين آمنين ضد جميع الأسباب.
ونادرا ما ستقابلنا الحياة – برحمة الله ولطفه – بمثل ذلك الموقف الكارثي السابق في حالة الباخرة الغارقة، إلا أن عديدh ممن حولنا يكتسبون استجابة العجز في حياتهم العادية مثل ضحايا الباخرة الغارقة، فلم يشعر معظمنا في عديد من المواقف بشعور العاجز المكبل بظروفه، وما معنى كلمة عجز،
يعرف العجز أنه يقين الشخص أن أفعاله ليس لها أي تأثير إيجابي في النتائج، والمشكلة أن البعض لا يفرق بين العجز الحقيقي ومجرد الشعور بالعجز، فالأول حقيقي والآخر تصوري إدراكي، حيث يتصور الفرد أنه عاجز في حين أنه ليس كذلك في حقيقة الأمر، كما أن الأول موضوعي، والآخر ذاتي، واستجابة العجز ليست عرضا لمرض عقلي معين ولكنها نتيجة اعتقادات خاطئة كإدراك الفرد أن حياته وما بها من أحداث ومواقف تقع خارج نطاق سيطرته، وأنه لا يستطيع التحكم في سير حياته، وعجزه عن المبادرة والتخطيط ووضع الأهداف المستقبلية، وميل الفرد لتبني نظرة تشاؤمية للحياة تدفعه إلى السلبية والكسل وفتور الهمة عند مواجهة مواقف تحد، والشعور أن الآخرين والمواقف والظروف – وليست قراراته وأفعاله – هم المتحكمون في تشكيل حياته، ويحدث ذلك كمحصلة فشل في موقف ما حدث له سابقا تجعله يتوقع تكرار ذلك الفشل في المواقف التالية، وتعميم مشاعر العجز في كل ما يواجهه، وتلبسه بحالة سيكولوجية تشعره بلا جدوى جهوده في تخطي الأحداث، مما يفقده الدافعية نحو العمل، ويمكنه التغلب على ذلك العجز من خلال مساعدته على التفكير بطريقة مختلفة حول أسباب الفشل السابق وحصره في جزئية معينة قابلة للتعديل ومن ثم استقبال نتائج إيجابية في المستقبل، وأن كل موقف يختلف عن موقف، ومساعدته على استكشاف جوانب القوة في حياته السابقة، ثم إقناعه بطرائق مباشرة وغير مباشرة بجدوى أفعاله ومساهماته، وتدريبه على أن يجد حلا للمشكلة لا أن يهرب منها، وتقبل احتمالية الصواب الخطأ حتى لا يحجم عن المغامرة خوفا من عدم الكمال، وتشجيعه على الفصل بين عدم حل المشكلة وتحديد قيمته الشخصية فلا علاقة بين الحل والهوية الذاتية، ودفعه للإيمان أن كل محنة تخفي خلفها منحة ربانية وكل تحد لا يمثل تهديدا بل يخلق فرصا للنمو الشخصي، وأهم شيء تعويده قوة الدعاء اليومي وتكرار حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات. اللهم أهدني وسددني، اللهم إني أسالك الهدى والسداد"، مما سيقوي عامل الصلابة النفسية في ذاته وسيزيد من مناعته ضد العجز.