الائتمان العقاري وحماية المركز المالي
المخاطر المتعلقة بزيادة الائتمان أو التمويلات العقارية العالمية تكون آثارها السلبية في الأغلب موجهة إلى الأفراد، خصوصا أصحاب المسكن الأول الذين يجدون أنفسهم في موقف ضعيف في حالة التعثر إذا ما حصل أي تصحيح في الأسعار، ولا سيما إذا تم شراء هذه المنازل في سوق ساخنة.
لذلك توفر الحكومات في عدد من الدول برامج مهمة كبرنامج الرهن الميسر الذي تم تطبيقه في السوق السعودية، حيث يؤدي مهمة الضامن لصاحب المسكن الأول، وبالتالي تنخفض تكلفة التمويلات العقارية إلى مستويات منخفضة تساعد كثيرين من أصحاب المسكن الأول على التملك، وفي الوقت نفسه تمتص هذه البرامج الحكومية جميع المخاطر والصدمات لتحمي صاحب المسكن الأول.
لكن استخدام الأفراد للتمويلات العقارية منخفضة الدفعة المقدمة، خصوصا في سوق عقارية ساخنة سيزيد احتمالية تعرض الأفراد للتمويلات الخاسرة underwater mortgages أو الوقوع في منطقة رأس المال السالب Negative equity في حالة حصول أي تصحيح في الأسعار، فعندما تنخفض القيمة السوقية للعقارات التي تستخدمها البنوك كضمانات collaterals عن القيمة المتبقية من التمويلات العقارية في حالة تعثر العميل في أي دولة كانت، تتشجع البنوك ومؤسسات التمويل العقاري لبيع هذه الضمانات بسرعة لاستيفاء الرصيد المتبقي على العميل المتعثر، خصوصا إذا كانت الدفعة المقدمة منخفضة، أو تم دفعها بتمويل شخصي أو بالاتفاق مع البائع بطريقة غير نظامية، وهذا قد يؤثر بشكل سلبي في الأفراد وسلامة النظام المالي، فالفرد هنا قد يخسر مسكنه، وأيضا قد يطالبه البنك بالمبلغ المتبقي من التمويل العقاري.
ما حجم المخاطر التي ستؤثر في قائمة المركز المالي للعميل إذا قام بتمويل الدفعة المقدمة بتمويل شخصي أو بطريقة غير نظامية؟ وقد تحدثت في مقال سابق عن مخاطر الرافعة المالية في التمويلات العقارية، ولتبسيط الفكرة لو قام شخص بشراء عقار بقيمة 500 ألف ريال ودفع 100 ألف ريال كدفعة مقدمة 20 في المائة من رأسماله أو حسابه الجاري في البنك، فالمتبقي سيتم تمويله من البنك بتمويل عقاري، لذا فإن هذا الشخص استطاع شراء هذا العقار من خلال استخدام الرافعة المالية بمضاعفة رأسماله - بخمسة أضعاف - باستخدام الدين، فانخفاض أسعار العقار بنسبة 10 في المائة سيعرض العميل إلى مخاطر انخفاض رأسماله بنسبة 200 في المائة بالسالب.
مثال آخر عندما أفلس بنك ليمان براذرز Lehman Brothers في 2008 كانت رافعته المالية تساوي 16 ضعفا، وكان وقتها يمتلك مركزا ماليا ممتازا، وقد حقق مبيعات بـ 19 مليار دولار بنهاية 2007 وبصافي أرباح بأربعة مليارات دولار، لكن بسبب ارتفاع مخاطر الرافعة المالية أفلس هذا البنك في أقل من عام.
إذا كانت هذه هي مخاطر الرافعة المالية على الشركات فكيف ستكون هذه المخاطر على الأفراد؟ خاصة عندما يقوم الأفراد بتمويل هذا العقار بنسبة 99 في المائة بتمويل عقاري، إضافة إلى تمويل شخصي أو بالاتفاق مع البائع بطريقة غير نظامية، هنا قد تصل نسبة الرفع المالي لهذا العقد التمويلي إلى 100 ضعف، وهذا قد يؤدي إلى مخاطر تتجاوز مخاطر ليمان براذرز بست مرات.
تستطيع البنوك المركزية التحكم في نسبة الرفع المالي للوصول إلى النسبة المثالية التي تحمي الأفراد من الآثار السلبية لمخاطر الائتمان من خلال تغيير نسبة الحد الأقصى للتمويل العقاري Loan-to-Value Ratio أو بعبارة أخرى نسبة الدفعة المقدمة، فيتم رفع نسبة الدفعة المقدمة في حال ارتفاع مؤشر أسعار العقارات السكنية فتنخفض نسبة الرفع المالي فتقل المخاطر على الأفراد، والعكس في انخفاض مؤشر أسعار العقارات السكنية.
والمعلوم أن المؤشرات العقارية على مستوى المدينة والموجودة في السوق السعودية غير دقيقة، وتستخدم طرقا إحصائية بسيطة، ولا يمكن معها قياس وإدارة مخاطر الرافعة المالية المتعلقة بالتمويلات العقارية.
على سبيل المثال، تشير البيانات الرسمية إلى استقرار في مؤشر أسعار العقارات السكنية في مدينة الرياض بنسبة بسيطة تساوي 3 في المائة خلال العامين الماضيين، وهذا لا يعكس الارتفاعات التي حصلت في السوق العقارية في الفترة نفسها، وقد تحدثت في مقال سابق عن واقع المؤشرات العقارية في السوق السعودية.
أيضا تؤثر مخاطر الرافعة المالية في جاذبية التمويلات العقارية أمام الاستثمار الأجنبي في سوق التمويل العقاري الثانوية الجديدة التي يمكن معها فتح قناة استثمارية مهمة لاستقبال رأس المال الأجنبي للاستثمار في الاقتصاد السعودي، حيث يتم تقديم هذه التمويلات العقارية دون أي تكلفة على الاقتصاد السعودي، للمساعدة على تنويع مصادر الدخل. لذلك تقليل مخاطر الرافعة المالية سيسهل مهمة الشركة السعودية لإعادة التمويل في تسويق هذه التمويلات العقارية على صناديق التقاعد الأجنبية.
أخيرا من الأهمية قياس فاعلية نسبة الحد الأقصى للتمويل العقاري Loan-to-Value Ratio أو بعبارة أخرى نسبة الدفعة المقدمة في ضبط مخاطر الرافعة المالية، لحماية الأفراد من الوقوع في مخاطر الرافعة المالية، خصوصا في الأسواق الساخنة، فالأفراد يجدون أنفسهم في موقف ضعيف يجعلهم يقدمون على تمويل مبلغ الدفعة المقدمة بأي طريقة ممكنة تضمن حصولهم على المسكن، ولو على حساب تعرض مركزهم المالي إلى هذا النوع من المخاطر العالية.