المتنبي ... وسوق الأسهم
يعاني السعوديون من مشكلة التسرب على أكثر من صعيد. وكل يغني على ليلاه. فسوق الأسهم تعاني من تسرب المعلومات الداخلية للشركات. والشركات تعاني من التسرب الوظيفي. ووزارة المياه تعاني من تسرب الشبكة. والمرأة السعودية تعاني من أحد نوعي التسرب. فإذا كانت امرأة عاملة (بطبيعة الحال مدرِّسة!) فهي تعاني من تسرب أوراق الاختبار. وإذا كانت ربّة بيت فهي تعاني من تسرب الغاز في المطبخ (طبعا كان هذا في الماضي أما الآن فلا تعاني من تسرب الغاز، لأنها لا تدخل المطبخ أصلا!!).
ما يهمنا هنا هو تسرب المعلومات عن الشركات المساهمة. والحقيقة أن تسرب المعلومات الداخلية لدينا حقيقة لا تحتاج إلى دليل. فالرسوم البيانية لحركة الأسهم تصلح أن تعرض بالمقلوب، لأن حركة الأسهم تسبق دائما الأخبار. (إلا إذا كانت تلك الرسوم على نظام الكتابة العربية من اليمين للشمال!!).
في الولايات المتحدة يعد تسرب المعلومات الداخلية جريمة فيدرالية. فمارثا ستيوارت - مثلا - سيدة أعمال أمريكية ناجحة تملك عدة شركات وقصر تقدر قيمته بـ 40 مليون دولار وثالث أكثر النساء الأمريكيات نفوذا حسب استطلاع نشر في عام 2003. دخلت السجن لأنها باعت أقل من أربعة آلاف سهم بناء على معلومات داخلية.
أما لدينا فتعتبر المعلومات الداخلية نوع من الشرهات والأعطيات لمن لا يستطيع أن "يُشَرِّه" بالمال والسيارات على رأي المتنبي في قصيدته المشهورة:
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليُسعد النطقُ إن لم تسعد الحالُ
ومن يدري؟ فربما كان المتنبي - بالإضافة إلى شاعريته - مُضاربا في سوق الإبل أو بورصة السمن البلدي!
وتسرب المعلومات الداخلية لمساعدة الأصدقاء والأحباب تماما مثل التغشيش في الاختبار، مفيد من الناحية الاجتماعية ولكنه مضر على المستوى الوطني. أما إذا "كفشك" المعلم فلتضرب بالناحية الاجتماعية عرض الحائط. ولذا يجب على "المعلم" وهو هنا هيئة السوق المالية أن تعطي الموضوع أهمية كبرى. والحقيقة أن الهيئة تتعامل مع مسربي المعلومات بنظام "المعلم" ولكنه ليس الذي "يكفش" الغشاشين ولكنه الذي يضرب الفصل كله إذا صدرت مشاغبة من ذلك الفصل بغض النظر عن من مصدرها.
والعجيب أنه على الرغم من ضرر تسرب المعلومات بالاقتصاد إلا أن الذي يسرب تلك المعلومات في المنتديات يقابل بردود من نوع "جزاك الله خيرا"، "بارك الله فيك"، و"جعله الله في ميزان أعمالك".
في أمريكا قام شخص بشراء أسهم شركة بقيمة لا تتجاوز 60 ألف دولار. في اليوم التالي أعلنت الشركة أنها ستباع إلى شركة كبيرة وارتفعت أسهمها بشكل صاروخي. بعد مدة اشترى نفس الشخص بنفس القيمة تقريبا أسهما في شركة أخرى وارتفعت أسهمها في اليوم التالي لنفس السبب. حققت هيئة الأوراق المالية في الموضوع ووجدت أن أحد موظفي المستشار المالي لكلا الاستحواذين هو الذي سرب المعلومة لهذا الشخص. وبعد مزيد من التحقيق اكتشفوا أن الشخصين درسوا في نفس الكلية قبل عشر سنوات وتم إيقافهما.