البنك المركزي الخليجي بين التوقيت و الموقع
أخيرا اختار زعماء الخليج، العاصمة السعودية الرياض مقرا للبنك المركزي الخليجي المشترك بعد سنوات طويلة من الانتظار لهذا التقدم الكبير على المستوى الاقتصادي الاستراتيجي ومن ثم السياسي لدول الخليج التي تمثل الثقل الأكبر في ميزان النفط العالمي، ويأتي هذا القرار في الطريق إلى وحدة نقدية قادمة ستجعل من هذا الاتحاد صاحب تأثير أكبر على الخريطة الاقتصادية العالمية.
حيث يأتي إقرار المقر ليضع خطوة مهمة في سبيل البنك المركزي و كذلك يأتي امتدادا لفكرة التكامل الاقتصادي الذي بدأ بشكل جدي منذ عام 2005 من خلال مشاريع الاتحاد الجمركي، ثم قرار الوحدة النقدية، إطلاق السوق المشتركة. ولعل هذا القرار يكون فاتحة المستقبل لباقي الخطوات التي ما زالت تدور حول نفسها ومن أهمها إقرار العملة الخليجية الموحدة و شخصيا أرى أن السوق العربية المشتركة هدف أكبر لهذا القرار. ولعل النظرة التفاؤلية لما يمكن أن يحمله قرار إقرار البنك المركزي الخليجي في الرياض، هو الدعم الكبير التي ستمنحه الدول المضيفة للخطوات القادمة التي على رأسها العملة الخليجية الموحدة. ولذلك فإن عمل البنك السريع يؤثر إيجابيا في القرارات الأخرى التي مازلت تنتظر التفعيل. ونظريا فإن البنك المركزي الخليجي سيشرف على رسم وتنفيذ السياسة النقدية للاتحاد الخليجي كتكتل اقتصادي. كذلك الإشراف على الاحتياطيات الرسمية من النقد الأجنبي، وتحديد كيفية إدارة هذه الاحتياطيات وتوظيفها. وضع الضوابط التي تحافظ على الاستقرار المالي والنقدي في دول الخليج. إصدار الأوراق والعملات المعدنية للعملة الجديدة. وضع وتنفيذ معايير الرقابة على المؤسسات الائتمانية في الاتحاد الخليجي. العمل على تدعيم موازين المدفوعات للدول الأعضاء وسياساتها الاقتصادية بما يحقق أهدافها التنموية. لذلك فإن هذه الخطوة تعتبر خطوة مهمة في الطريق الصحيح، ولكنها تحتاج إلى تكاتف أكبر من جميع الدول.
وأعود إلى نقطة مهمة في قرار اختيار الرياض كعاصمة لسياسات النقد الخليجي الموحد وهي عاصمة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي الذي يبدو أن البنك الجديد سيحتل مساحة كبيرة من عمل أمينها. كذلك فإني أرى شخصيا أنها نتيجة طبيعية لما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي و سياسي على المستويين الإقليمي والعالمي، وليس العكس أن استضافة البنك هي مسؤولية إضافية إلى المملكة وليست ميزة أو إضافة قوة ، فالمملكة تمثل أكثر من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج كونها أكبر اقتصاد ليس على المستوى الخليجي بل على مستوى الشرق الأوسط. وهي دولة التمثيل للمنطقة العربية والإسلامية في قمة العشرين دولة الأقوى اقتصادا على مستوى العالم.
ولعل التوقيت يعطي مميزات أخرى للمملكة، فإعلان البنك المركزي الخليجي يأتي في ظل أزمة مالية عالمية أثرت في جميع اقتصاديات العالم ومنطقة الخليج بدولها الست، وبالنظر إلى أكثر السياسات النقدية نجاحا وفقا لمخرجات الأزمة فإننا نجد أن المملكة، مع حجم اقتصادها الكبير وانفتاحها الاقتصادي الكامل، إلا أنها ظلت من أقل الدول تأثراً بالأزمة بسبب السياسات النقدية الناجحة التي اتبعتها خلال تاريخها وتحديدا خلال سنوات الطفرة الاقتصادية الخليجية، ولعل احتضانها لمقر البنك المركزي الخليجي دعم كبير للبنك نفسه أمام المحافل الدولية، والمؤسسات الدولية.
الآن وقد تم إعلان المقر فإن التحدي الأكبر في إيجاد إجماع خليجي على آلية عمل هذا البنك و نسب التملك فيه، وعن محافظ البنك الجديد وكيفية اختياره. ولعلي أذكر هنا التحديات التي واجهها البنك المركزي الأوروبي في عام 1998، والتي عمل الأوروبيون كثيرا على تجاوزها لتجعل عملتهم ثاني أهم عملة على مستوى النظام النقدي العالمي الحالي.