لا تراهن على هبوط هادئ «2 من 2»
إذا كانت أولويتها القصوى هي الحفاظ على النمو والتوظيف، فستحتاج إلى تطبيع السياسة بوتيرة أبطأ، والمخاطرة بإرباك توقعات التضخم، ما يمهد الطريق نحو تضخم مستمر يتجاوز الهدف المحدد.
لذلك فإن سيناريو الهبوط الهادئ يبدو بعيد المنال. ففي الوقت الراهن، تظل الزيادة في التضخم ثابتة لدرجة لا يمكن إلا للتشديد الجاد للسياسة أن يعيدها إلى النطاق المستهدف. وإذا أخذت فترات التضخم المرتفع السابقة كخط أساس، فإنني أرى من المحتمل حدوث هبوط شديد في غضون عامين بنسبة تتجاوز 60 في المائة.
إلا أنه من المحتمل حدوث سيناريو ثالث. إذ في هذه الأيام يتحدث صانعو السياسة النقدية بصرامة عن محاربة التضخم لتجنب مخاطر خروجه عن السيطرة. لكن هذا لا يعني أنهم لن يضعفوا في النهاية، فيرفعوا معدل التضخم فوق الهدف المحدد. فنظرا لأنه على الأرجح أن تحقيق الهدف يتطلب هبوطا شديدا، فقد يضطرون إلى رفع الأسعار ثم يتقهقرون إلى الوراء بمجرد أن يصبح سيناريو تجاوز الهدف المحدد أكثر احتمالية. وفضلا عن ذلك، نظرا لوجود قدر كبير من الدينين العام والخاص في النظام "348 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم"، يمكن أن تؤدي زيادات أسعار الفائدة إلى مزيد من التراجع الحاد في أسواق السندات والأسهم والائتمان، ما يمنح البنوك المركزية سببا آخر للتراجع. وببساطة يمكن أن تؤدي جهود مكافحة التضخم إلى انهيار الاقتصاد أو الأسواق أو كليهما بسهولة. وبالفعل، أدى القدر المتواضع من التشديد في سياسة البنوك المركزية إلى زعزعة الأسواق المالية، مع اقتراب مؤشرات الأسهم الرئيسة من مستويات متدنية "انخفاض بنسبة 20 في المائة عن المستويات المرتفعة الأخيرة"، وارتفاع عائدات السندات، واتساع هوامش الائتمان. ومع ذلك، إذا تراجعت البنوك المركزية الآن، فستشبه النتيجة الركود التضخمي الذي حدث في سبعينيات القرن الماضي، عندما كان الركود مصحوبا بتضخم مرتفع وتوقعات تضخم غير ثابتة.
ما السيناريو الأكثر احتمالا؟ كل هذا يتوقف على مجموعة من العوامل غير المؤكدة، بما في ذلك استمرار دوامة الأجور والأسعار، المستوى الذي يجب أن ترتفع إليه معدلات السياسة لكبح جماح التضخم عن طريق إيجاد ركود في السلع وأسواق العمل، واستعداد البنوك المركزية لفرض سياسات مؤلمة قصيرة الأجل، من أجل تحقيق أهداف التضخم التي حددتها. وفضلا عن ذلك يبقى أن نرى المسار الذي ستتخذه الحرب في أوكرانيا، وتأثير ذلك في أسعار السلع الأساسية. وينطبق الشيء نفسه على سياسة "صفر كوفيد" التي تعتمدها الصين وما يصحبها من انعكاسات على سلاسل التوريد، والتصحيح الحالي في الأسواق المالية.
وتشير الأدلة التاريخية إلى أن الهبوط الهادئ أمر بعيد الاحتمال. ويؤدي هذا إما إلى هبوط شديد وعودة إلى تراجع التضخم، أو إلى سيناريو الركود التضخمي. وفي كلتا الحالتين من المرجح حدوث ركود في العامين المقبلين.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.