تملك المساكن بنظام الرهن العقاري أم بالحد الأدنى للأجور ؟
يتكرر الطرح في الفترة الماضية بأن صدور نظام الرهن العقاري يع] الحل لمشكلة الإسكان في المملكة حيث تشير الإحصاءات الرسمية بأن نسبة ملكية المواطنين للمساكن في المملكة منخفضة (وبحسب بعض التقارير غير الرسمية فهي تقل عن الـ 30 في المائة)، وباحتياج مليون وحدة سكنية حسب خطة التنمية الثامنة 2005-2009م، وهي تشكل ظاهرة مقلقة حاضرا وفي ازدياد مطرد مستقبلا في ظل عدم وجود حلول شاملة حتى الآن مع الأخذ في الاعتبار النمو السكاني المتزايد في المملكة وتشكل الغالبية (70 في المائة) دون سن الثلاثين .
ويبقى السؤال الأهم، هل عدم وجود نظام رهن عقاري هو العائق الوحيد لتملك المواطنين المساكن؟ أم أن ضعف مستويات الدخل لدى شريحة لا ياستهان بها من العاملين في القطاعين العام والخاص تجعل صدور نظام الرهن العقاري حلا غير مكتمل لمشكلة الإسكان، فالأعداد القليلة للمستفيدين من برامج التمويل العقاري حاليا لدى بعض المؤسسات الحكومية وشركات التمويل تعطي مؤشراً على ذلك، وهنا تكمن أهمية إيجاد نظام رهن عقاري أو برنامج تملك سكني يتناسب مع ذوي الدخل المنخفض .
وهذا يقود تلقائياً إلى الخوض في قضية أهم وهي تحسين مستويات الدخل لدى شرائح العاملين ذوي الرواتب المنخفضة وذلك من خلال تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور Minimum Wage، والذي سيعمل على رفع مستوى الدخل للعامل أو الموظف وإمكانية تحويل المبلغ المناسب من تلك الزيادة إلى برنامج التمويل السكني لقدرة العامل على استقطاع جزء من راتبه الشهري بحسب شروط البرنامج، والتي سيتحقق منها عدة ميزات إضافة إلى توافر المسكن مثل حفظ المدخرات في أصول عقارية دائمة وانعكاس ذلك على نواحي متعددة مثل الاستقرار الأسري والاجتماعي وانخفاض في معدلات الجريمة، وفي رفع مستوى الانتماء للعمل لحوافز الوظيفة كتملك مسكن دائم (تجربة شركة أرامكو)، وكذلك في الجانب الآخر زيادة توطين الوظائف مقارنة بالعاملين الوافدين والذين يقترب عدهم من الـ 8 ملايين، وقد ذكر تقرير صادر من وزارة العمل في عام 2008 م بأن نسبة مرتفعة من العمالة الوافدة غير مؤهلة وأكثر من 800 ألف وافد أمي لا يقرأ ولا يكتب، فبذلك تزول حجة أنه بسبب مخرجات التعليم عدم تأهل العامل السعودي للعمل في مجالات مختلفة ويتضح أن مستوى الدخل الوظيفي هو من العوائق الرئيسية في عملية السعودة.
وآلية تطبيق الحد الأدنى للأجور بالإمكان بأن تبدأ في قطاعات مستهدفة، كالتي يتم العمل على سعودتها حالياً مثل بائعي التجزئة والمحالت الصغيرة وغيرها، وبأن تقوم على أساس رسوم تدفع للجهات الحكومية ذات العلاقة كصندوق تنمية الموارد البشرية من قبل صاحب المنشأة التجارية على توظيف العامل الأجنبي لديه في الوظائف المطلوب سعودتها بما يعادل الحد الأدنى لراتب العامل السعودي المحدد وهو على سبيل المثال 3 أو 4 آلاف ريال فتصبح جدوى توظيف السعودي متحققة مقارنة بالعامل الأجنبي الذي يتم تأهيله على رأس العمل، ولا ننسى أيضا ً أنه بتطبيق هذا النظام يتم محاربة حالات التستر في العديد من المنشآت المخالفة للنظام أصلاً، ومنها تنخفض أعداد العمالة الوافدة غير المجدية ومعالجة اختلال التركيبة السكانية وتبعاتها الأمنية والتوفير في استهلاك الخدمات من مياه وكهرباء وصحة وطرق.......فمعظمها خدمات مدعومة من قبل الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر، ومما يعزز رفع مستوى المعيشة وجودة الخدمات والمنتجات للمواطنين والمقيمين بشكل عام، وإضافة إلى تقليص التحويلات المالية المهاجرة إلى اقتصاديات أخرى، وبحيث يتم في المقابل تسهيل إجراءات استقطاب وتوظيف العمالة الأجنبية المؤهلة لأهميتها في زيادة الإنتاجية ونقل الخبرات ومواكبة التطوير المستمر في الدول الأخرى، وتفادياً لما يحدث الآن من تحويل الوطن إلى ورشة تدريب للعمالة الوافدة وما تسببه من هدر لثروات الوطن والمواطنين وبأشكال مختلفة .
وختاماً، يجب الإشارة إلى أنه عند طرح هذا الموضوع يأتي التخوف من ارتفاع معدلات التضخم الذي سيحصل من تطبيق آلية رفع الأجور وتأثيراتها في الاقتصاد ولكن يجب ألا نغفل أنه مع توفير الأعداد المناسبة من المساكن يتم موازنة الارتفاعات الحاصلة في بعض القطاعات بانخفاض نسب التضخم في قطاع الإسكان وهو من العناصر الأساسية في احتساب المعدل الإجمالي للتضخم، إضافة إلى أن زيادة الدخل عائدة لشريحة محدودي الدخل من المواطنين وستساعد على تملكهم سكنا، وأيضا مصروفاتهم ستُضخ في الاقتصاد الوطني وتسهم في زيادة الناتج المحلي، والله من وراء القصد.