الطاقة الجديدة والنظر للمستقبل «1 من 2»

ألقت الحرب الروسية - الأوكرانية الضوء على الأزمة والفرصة السانحة لتحويل مصادر الطاقة، فمن الصعوبة بمكان أن ننظر إلى أزمة، مثل الحرب الحالية، ونرى فيها فرصة سانحة. ونحن ـ فضلا عن الأوكرانيين ـ لا نزال نواجه أزمة كبيرة، بل أزمة مضاعفة وهذا كل ما في الأمر، مع ما لها من عواقب اقتصادية وسياسية محتملة ستستمر طويلا.
من الواضح كذلك أن الحديث عن "الفرصة" سلاح ذو حدين. فأصحاب المصالح المكتسبة هم في الأغلب أكثر المستفيدين من اتخاذ إجراء سياسي سريع يعزز الوضع الراهن. ولننظر إلى ميل كثير من المشرعين إلى مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة بمحاولات مغلوطة لتخفيضها مباشرة، ما يضعف أي حوافز على تقليص استخدام الوقود نبعت في الأصل من ارتفاع أسعاره.
وأدى ارتفاع أسعار الطاقة الشمسية الكهروضوئية خلال العامين الماضيين، إلى إضافة مصطلح "التضخم الأخضر" إلى المعجم المالي. ومع هذا، يظل "التضخم العادي" مهيمنا على المشهد.
وبوجه عام، انخفضت أسعار نظم الطاقة الشمسية بشكل كبير على مدار الأعوام، وتراجعت بمقدار الضعف في غضون عقد واحد، وبمقدار ثلاثة أضعاف خلال أربعة عقود.
وبطبيعة الحال، لا يقتصر ذلك على الطاقة الشمسية الكهروضوئية وحدها.
وحري بنا أن نذكر أن أسعار البطاريات والسيارات الكهربائية اتخذت المنحى نفسه وتراجعت بسرعة، ما أدى إلى زيادة اعتمادها بوتيرة سريعة. وفي 2016، توقع تقرير آفاق الطاقة الصادر عن "بريتيش بتروليم" أن عدد السيارات التي تدار بالكهرباء في العالم سيتجاوز 70 مليون سيارة بحلول 2035. ويبدو الآن أنه يمكن الوصول إلى هذا الرقم بحلول 2025، أي أبكر من المتوقع بعشرة أعوام على أساس أفق زمني يمتد 20 عاما. وبالطبع، يتضح من هذه الأرقام كم من الأشواط التي لا يزال يتعين علينا أن نقطعها. فالحصة السوقية للطاقة الكهروضوئية في العالم لا تتجاوز نحو 3 في المائة، بينما لم تصل السيارات الكهربائية إلى 2 في المائة بعد. حتى الـ70 مليون سيارة كهربائية ستشكل أقل من 6 في المائة من أسطول السيارات في العالم اليوم، البالغ عددها نحو 1.2 مليار سيارة.
لم يكن لأي تحليل جاد نشر قبل قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دخول حرب مع أوكرانيا أن يتصور قط أن روسيا ستقطع إمدادات الغاز عن الاتحاد الأوروبي، ولن تسهم الطاقة الكهروضوئية ولا السيارات الكهربائية في حدوث فرق كبير في معالجة التحديات التي تفرضها الحرب الدائرة حاليا والتي يضرمها الوقود العادي. والتدابير قصيرة المدى لتخفيف اعتماد الاتحاد الأوروبي على النفط والغاز من روسيا يجب أن تركز على تخفيض الطلب وإيجاد بدائل للإمدادات الروسية. وينطوي ذلك على زيادة إنتاج كل من النفط والغاز في أنحاء العالم الأخرى، كما يعني كذلك اتخاذ تدابير على المدى القصير، مثل تجنب الخروج النووي لألمانيا والمقرر في كانون الأول (ديسمبر) 2022، وبعض المفاضلات الأخرى الصعبة ـ مثل زيادة إنتاج الطاقة من الفحم في أوروبا على المدى القصير. "ومن المفارقات أن جزءا لا بأس به من الفحم الذي يستخدمه الاتحاد الأوروبي يأتيه أيضا من روسيا، ما يضاعف التحدي الماثل أمامها".
بشأن تقييم المخاطر، فإن الحرب الحالية، ورد فعل العالم إزاءها، يكشفان كذلك النقاب عن قضية أخرى أساسية بقدر أكبر بكثير، وهي محدودية القدرة الكامنة في التحليلات الاقتصادية وتحليلات سياسة الطاقة الأوسع نطاقا على تقديم معلومات تفيد صناع السياسات في اتخاذ القرارات بشأن معالجة أزمات كتلك التي تواجهنا حاليا، ولا سيما الأزمات المتداخلة... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي