سياتل و«ستاربكس»
سياتل الأمريكية تضم ثلاث شركات غيرت حياة البشر.. الأولى "بوينج"، التي أتاحت لنا السفر بسرعة الريح، والثانية "مايكروسوفت"، التي مكنت الجميع من استعمال الكمبيوتر.. والثالثة "ستاربكس"، التي أعادت اختراع القهوة وبلورت ثقافة الكافيهات.
وأنا شخصيا زرت سياتـل خمس مرات حتى الآن "وتدرس فيها ابنتي حاليا" ولاحظت انتشار مقاهي ستاربكس أكثر من أي مدينة أخرى. لاحظت من أول زيارة أن الكافيهات فيها تحولت إلى محطات تزود بالكافيين، حيث يسير الناس حاملين أكواب القهوة ومطمئنين لوجودها في كل مكان.
ورغـم أن القهوة معروفة منذ قرون، إلا أن "ستاربكس" قـدمتها بطريقة مختلفة، لم تبع للناس القهـوة، بـل ثقافة الذهاب إلى المكان، والوجود حول "كوب القهوة". ظهرت 1971 حين أسس ثلاثة أصدقاء محمصة لبيع البن في سوق بايك بليس التاريخية، الأول كاتب يدعى جوردن بوكر، والثاني مدرس يدعى جيري بادوين، والثالث بروفيسور يدعى زيف سايجل.. جمعهم حب القهوة وكانوا يلتقون يوميا لتذوقها حول طاولة داخل المحل. وحين بدأت الكراسي تكثر تحول المحل إلى مقهى معروف "لا يزال يعمل حتى اليوم". لم يكونوا يعرفون حينها أنهم اخترعوا ثقافة الكافيه وأن مقهاهم الصغير سيتحول إلى شركة تملك 34317 فرعا حول العالم.
وما يحـير الناس دائما هو سر الاسم والشعار. البعض يعتقد أن للاسم علاقة بالنجوم أو الدولارات Star-bucks، لكنه مشتق من شخصية ستاربك Starbuck البحار، الذي يعشق القهوة في رواية موبي ديك "ثم أضيف حرف S بعد افتتاح فروع عدة". أما شعار الحورية "الذي سمعت من يربطه بالماسونية" فهو نرويجي الأصل وكان البحارة يرسمونه تيمنا على سفن الصيد.
بقي أن أخبركم عن رأيي الشخصي بخصوص انتشار الكافيهات بأنواعها هذه الأيام.
أعتقد ببساطة أننا نعيش زمنا أدمن فيه البشر القهوة، وأصبحوا يرتشفونها كترياق لتعديل المزاج. فالقهوة تضم مادة الكافيين المنشطة والمستعملة في صناعة بعض المسكنات. وبسبب الوتيرة السريعة والمجهدة لعصرنا الحالي تزايد إقبال الناس عليها وأصبح معظمهم "مدمن كافيين". ورغم أنها غير ضارة "ضمن الحدود المعقولة" إلا أنها تؤثر في كيميائية الدماغ، ويتعود عليها جهازنا العصبي، لدرجة أننا نتوتر إن لم نبدأ بها صباحنا. هذا الإدمان برأيي هـو سبب الانتشار الكبير لمقاهي الكافيين في جميع الدول "لدرجة أن شركة كوستاكوفي تفـتتح كل أسبوع ثلاثة مقاه جديدة في مدينة لندن".
أيها السـادة، قبل 20 عاما كتبت مقالا عن العولمة قلت فيه:
..."إن مشيت بخط مستقيم في أي مدينة كبيرة ستعثر حتما على مطعم ماكدونالد".
واليوم سأعيد صياغة هذه الجملة وأقول:
"إن مشيت بخط مستقيم في أي مدينة كبيرة ستجد خمسة مقاه، قـبل أن تعثر على ماكدونالد".