198 مليار دولار سوق تعدين الذهب .. هل وصل العالم إلى ذروة المعدن الأصفر؟

198 مليار دولار سوق تعدين الذهب .. هل وصل العالم إلى ذروة المعدن الأصفر؟
198 مليار دولار سوق تعدين الذهب .. هل وصل العالم إلى ذروة المعدن الأصفر؟

قد يبدو سؤال "ما الأكثر قيمة الاحتفاظ بالذهب في باطن الأرض أم استخراجه؟" سؤالا ساذجا من وجهة نظر البعض، وربما تنحاز أغلبية من سيجيبون عليه باختيار استخراج الذهب وطرحه في الأسواق للبيع والشراء، لكن في الحقيقة لا تبدو الإجابة بهذه السهولة.
خلال جائحة كورونا ارتفعت أسعار الذهب، وعده كثير من الناس حينها ملاذا آمنا في أوقات الضيق والعسر الاقتصادي، فالبشرية كانت تواجه الوباء دون أي جدول زمني للمدة المطلوبة للقضاء عليه، ومن ثم ارتفع الطلب على الذهب كنوع من التأمين للمستقبل المجهول بالنسبة للجميع.
ومع تراجع وباء كورونا وفي خضم موجة تضخمية تضرب الاقتصاد العالمي، اكتسب الذهب مزيدا من الشعبية بسبب طبيعته كملاذ آمن، ما جعل الطلب على الذهب العالمي محور اهتمام من الجميع أفراد أو مستثمرين أو بنوك مركزية.
وأنعش ارتفاع أسعار الذهب خاصة خلال فترة وباء كورونا مشاريع التنقيب، بل وازدهرت أعمال التنقيب غير القانونية في مناطق مثل غابات الأمازون، لكن استخراج الذهب أثبت أنه ليس بالأمر السهل، بل ربما ازداد صعوبة، مقارنة بأي وقت مضى، وقد تكون تلك النتيجة غريبة في ظل التقدم التكنولوجي، الذي يتوقع أن يجعل التعدين من أجل إنتاج الذهب أكثر سهولة وأمنا.
لكن الأمر لا يتعلق بالتحديات التقنية والتكنولوجية وإجراءات الأمن والسلامة في المناجم، وإنما يتعلق بتنامي الوعي بالتحديات البيئية والسياسات المحلية المتقلبة في عديد من البلدان التي يتم فيها التنقيب عن الذهب، ما يجعل البعض يعتقد أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء من أجل استخراج الذهب من باطن الأرض.
بالطبع لا ينطبق هذا الوضع على جميع الحالات، فقبل أيام أعلنت مجموعة تسيجين Zijin الصينية للتعدين أكبر شركة منتجة للذهب في الصين استحواذها على منجم روزبيل في سورينام، وهو أحد أكبر مناجم الذهب في أمريكا الجنوبية، وعلى الرغم من أن الصفقة لا تزال في حاجة إلى موافقة الحكومة الصينية وحكومة سورينام، فإن الاستثمارات المتوقعة تقدر بـ 360 مليون دولار.
ويزيد ذلك من قدرة الشركة الصينية على المنافسة بين منتجي الذهب العالميين، خاصة أن منجم روزبيل يمتلك نحو 217 طنا من موارد الذهب ولا يزال لديه كثير من الإمكانات، ومنذ بدء التعدين فيه 2004 تجاوز متوسط إنتاج الذهب السنوي للمنجم عشرة أطنان، مع وجود إمكانية لمزيد من التوسع، خاصة في ظل المزايا التنافسية التي تتمتع بها الشركة الصينية في التكنولوجيا والإدارة ومن ثم يكون في قدرتها تعظيم موارد المنجم مع خفض التكاليف.
إلا أن صفقة من هذا القبيل لم تمنع بعض الخبراء من التساؤل هل وصلنا إلى ذروة الذهب، بتعبير آخر هل وصلنا إلى الحد الأقصى لمعدل استخراج الذهب من باطن الأرض، وأن استخراج الذهب سيتواصل ولكن مع انخفاض في الكميات المنتجة حتى تتوقف عمليات التعدين تماما؟ وتشير الأرقام المتاحة إلى أن قيمة سوق تعدين الذهب العالمي بلغت نحو 198 مليار دولار العام الماضي، ويعتقد ال. مولر نائب رئيس أبحاث الأسهم في بورصة لندن أن مصدر التساؤل حول، هل وصلنا إلى ذروة الذهب أم لا يعود إلى انخفاض إنتاج الذهب في العالم العام الماضي 1 في المائة، وهو أول انخفاض منذ نحو عشرة أعوام، ما جعل بعضهم ينتابه القلق بشأن مستقبل الكميات المنتجة، خاصة أن عملية التعدين تواجه في عديد من المناطق حول العالم هجمة شرسة من جماعات حماية البيئة، وسط توقعات بأن تزداد القيود على التعدين على المعدن الأصفر حول العالم مستقبلا.
ويقول لـ"الاقتصادية"، يتم استخدام نحو نصف الذهب في العالم في صناعة المجوهرات والحلي، والربع تمتلكه البنوك المركزية، والربع الآخر يمتلكه المستثمرون أو يدخل في بعض الصناعات.
ويستدرك قائلا "الطلب على الذهب سيتجاوز المنتج أو المتاح في الأسواق، ولن تستطيع صناعة تعدين الذهب الاستجابة للطلب، ولهذا من المتوقع أن تواجه أزمة، فالطلب سيستمر في الصعود، والمزيد من الذهب الذي سيضخ في الأسواق سيكون مصدره عمليات التدوير".
ووفقا لبيانات نشرها مجلس الذهب العالمي، فإن التقديرات العلمية تشير إلى أنه تم استخراج أكثر من 205 آلاف طن من الذهب منذ فجر البشرية حتى يومنا هذا، في العام الماضي كان هذا الرقم 3560.7 طن، ما سمح جنبا إلى جنب مع تدوير الذهب إلى إمداد السوق العالمية بـ 4666.1 طن من المعدن الأصفر.
ولـ "الاقتصادية" تعلق الدكتور كريستين آرثر، أستاذة الجيولوجية في جامعة شيفيلد للاقتصادية قائلة "يوجد معظم الذهب في الكون في الفضاء الخارجي، حيث تحتوي الكواكب والأجرام السماوية الصغيرة مثل المذنبات والكويكبات والنيازك على كميات كبيرة من الذهب، ولأن الذهب معدن ثقيل فقد هاجر إلى قلب الأرض أثناء تكوين كوكبنا، وتكفي كمية الذهب الموجود في الأرض لتغطية كامل سطح الكرة الأرضية بطبقة بسمك 45 سم، وعندما بردت كتلة الأرض السائلة الأولية ترسب المعدن الثمين في قشرتها وعلى سطحها، كما أعادت الانفجارات البركانية الذهب إلى السطح".
وتواصل قائلة "هذه الرواسب من الذهب هي الوحيدة التي لا يزال في إمكان البشر الوصول إليها".
وبالفعل، فإن التقرير السنوي لـ 2021 الصادر عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي يشير إلى وجود نحو 54 ألف طن من الذهب في الأرض في جميع أنحاء العالم، التي يمكن استخراجها بتكلفة معقولة، وفقا لمعايير التكنولوجيا والبحث الحالية، وإذا واصل العالم إنتاج الذهب بالمعدل الذي أنتج العام الماضي، فإنه سيتم استخراج الـ 54 ألف طن من الذهب في غضون 15 عاما.
يختلف بعض الجيولوجيين مع التقديرات الأمريكية، ويعتقدون أنه استنادا إلى الاحتياطيات المعروفة حاليا فإن تعدين الذهب قد يصبح غير مجد اقتصاديا بحلول 2050، وفي أفضل الأحوال، فإن اكتشاف مناجم غنية بالذهب قد يدفع هذا التاريخ إلى الوراء بعض الشيء، لكن الأمل الوحيد يكمن في التوصل إلى تقنيات جديدة تجعل من الممكن استخراج بعض الاحتياطيات المعروفة، التي يعد استخراجها حاليا غير مجد لارتفاع تكلفة الاستخراج بشكل كبير للغاية، ما يجعل العملية غير مجدية اقتصاديا، لكن من غير المرجح عامة- بالنسبة لهؤلاء الجيولوجيين- أن يستمر تعدين الذهب على نطاق واسع بعد 2075 دون حدوث تقدم هائل في تكنولوجيا استخراج الذهب.
ويشيرون أيضا إلى أن الأعوام، التي ستلي ذروة الذهب لن تشهد على الأرجح انخفاضا كبيرا في الإنتاج، إلا أن استنفاد مواقع المناجم الرئيسة قد يتسبب في انخفاض الإنتاج بشكل كبير في غضون بضعة عقود، ومن المرجح، ووفقا لمعدلات الاستخراج الحالية أن ينفد إنتاج الذهب في جنوب إفريقيا أحد أكبر منتجي الذهب في العالم في غضون 40 عاما من الآن.
تزيد تلك التوقعات من أهمية عملية إعادة تدوير الذهب، كما أن إعادة تدوير الذهب أرخص من عملية التعدين وأكثر صداقة للبيئة، وبينما يطلق الإنتاج الكلاسيكي لكيلو جرام من الذهب بين 12 و16 طنا من الكربون، فإن إعادة تدوير الذهب ينتج 53 كيلو جراما فقط.
وفي الوقت الحالي، فإن حصة الذهب المعاد تدويره من إجمالي الإنتاج السنوي تراوح بين 28 و30 في المائة، لكنها تعتمد في الأساس على سعر الذهب، فكلما ارتفع سعر المعدن الأصفر، زاد احتمال أن يتخلى الناس عن مجوهراتهم الذهبية القديمة بالبيع وشراء ذهب جديد.
لا شك أن المعارضة العامة لمناجم الذهب في بعض أجزاء العالم أصبحت عائقا أمام إنتاج الذهب، ففي شيلي على سبيل المثال أدت الاحتجاجات المتواصلة لأعوام من قبل النشطاء المحليين لأسباب بيئية إلى إيقاف أحد المناجم.
مع هذا يعلق ك. مانشيني، الخبير الجيولوجي في مجال تحليل التربة قائلا: "مناجم الذهب ترتبط غالبا بعمليات تصنيع عملاقة، وأكبر مناجم الذهب في العالم تنتج أطنانا من الذهب سنويا وأكبرها جميعا في صحراء نيفادا في الولايات المتحدة، وينتج أكثر من 100 طن من الذهب كل عام، حتى مناجم الذهب الصغيرة يمكن أن تسهم في ازدهار المجتمعات المحلية، خاصة أن عملية التعدين لا تقتصر على الذهب في معظم الأحيان بل تمتد إلى المعادن الأخرى".
وفقا لتقديرات مجموعة إس إن بي العالمية، فإن المعروض العالمي من مناجم الذهب سيزيد بنحو 4.4 في المائة هذا العام، بسبب ارتفاع التضخم وزيادة المخاطر الجيو- سياسية المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، وستؤدي الضغوط على الاقتصاد الكلي إلى أن يكون العرض العالمي للذهب المستخرج من المناجم والطلب العالمي على المعدن الأصفر قويين حتى 2026.

الأكثر قراءة