برامج الجامعات السعودية والابتكار «2 من 4»

في ظل التضخم والركود الاقتصادي العالمي الذي شهدناه لعامي 2020 - 2021 كان من المتوقع أن يحدث تأخر كبير في مجال البحث والتطوير والابتكار التكنولوجي وإيداعات الملكيات الفكرية، إلا أن ما حدث عكس ذلك، حسب ما ورد في تقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022 الذي تصدره المنظمة العالمية للملكية الفكرية، حيث أشار التقرير إلى أنه تجاوز عدد الأبحاث العلمية المنشورة عالميا مليوني بحث علمي في 2021، وفيما يخص الاستثمارات في البحث والابتكار فقد نمت بنسبة 3.3 في المائة، وبلغ معدل الإنفاق من الشركات الداعمة للبحث والتطوير والابتكار ما يزيد على 11 في المائة ليصل إلى 900 مليار دولار أمريكي في 2021، وتركزت في دعم أربع صناعات، لتشمل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمعدات الكهربائية، قطاع البرمجيات والذكاء الاصطناعي، قطاع الصحة والتكنولوجيا الحيوية، وقطاع البناء والمعادن الصناعية.
لذا فإن الاقتصادات الواعدة هي تلك التي تعمل على توليد حلول تكنولوجية جديدة أو تبني وتطوير حلول قائمة من أجل تلبية احتياجات عدة، سواء كانت اجتماعية أو دفاعية أو غيرها محليا أو خارجيا، ومدى ارتباط هذه الاقتصادات بمفهوم الابتكار واتجاهاته، ولذا نجد أن البحث العلمي والتطوير والابتكار التكنولوجي أصبحت إحدى ركائز رؤية وأهداف لكثير من جامعاتنا السعودية وأصبح هذا المجال المهم أحد مناشطها وأدوارها الرئيسة وقد تحدثت في مقال سابق عن مثال الابتكارات في جامعة الملك سعود وكيف عملت وساعدت برامجها وخططها واستراتيجيتها في استغلال كثير من الأبحاث العلمية والابتكارات النوعية الفاعلة لديها في تنويع استثماراتها وإيراداتها اقتصاديا واستدامتها، وسنستكمل الحديث عن مثال آخر في هذا الموضوع وسيتم التعرف على مزيد من البرامج المهتمة ببرامج الابتكار والبحث والتطوير وتهدف إلى المساهمة بدور فعال في اقتصاد الوطن المبني على الابتكار المعرفي النوعي، حيث سيتم التركيز في هذا المقال على البحث العلمي والابتكار والتطوير في جامعة الملك عبدالعزيز، لنتعرف على خططها وبرامجها وكيفية تنفيذها لذلك وطرقها في تحويل الابتكارات والأفكار إلى منتجات تجارية وصناعية واستغلالها الاستغلال الأمثل في تنويع إيراداتها وتعدد استثماراتها.
جامعة الملك عبدالعزيز تعد من أكبر الجامعات السعودية التي تأسست في 1967، حيث يوجد بها أكثر من 117 ألف طالب وطالبة وأكثر من أربعة آلاف عضو هيئة تدريس وفيها 24 كلية في مختلف التخصصات، ولديها عديد من الاعتمادات الأكاديمية في التخصصات العلمية والهندسية والطبية وغيرها، كما حصلت الجامعة أخيرا على المركز الـ33 ضمن أفضل 100 جامعة على مستوى العالم في منح براءات الاختراع الصادرة من مكتب البراءات والعلامات التجارية الأمريكي، حيث شملت هذه البراءات مجالات تخصصية عدة، هي مجال استدامة الموارد الطبيعية والذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات والصحة وغيرها... لدى الجامعة خطة استراتيجية تشمل أهدافا عدة هي التميز الأكاديمي وتعزيز البحث والابتكار وريادة الأعمال والاستدامة التي تعتمد على زيادة وتنويع مصادر الدخل، وتعمل الجامعة على تنفيذ هذه الخطة لتحقيق أهدافها من خلال عملها على نشر ثقافة الابتكار والاختراع داخل الجامعة وخارجها ودعم البحث والتطوير والابتكار من خلال الاهتمام بمنسوبيها من الأكاديميين الباحثين والمخترعين والعلماء المبتكرين بمختلف التخصصات والعمل على تهيئة البيئة الملائمة واللازمة لذلك، فقامت بإنشاء عديد من المراكز البحثية، ففيها أكثر من 25 مركزا بحثيا منها، مركز البحوث والتنمية، مركز التميز البحثي في الدراسات البيئية، مركز تقنيات متناهية الصغر، مركز أبحاث المياه، ومركز التميز البحثي في المواد المتقدمة، ومراكز متعددة تشمل الصحة مثل مركز التميز البحثي في علوم الجينوم الطبي، ومركز التميز البحثي لبحوث الدواء والصناعات الدوائية وغيرها من المراكز، كما أبرمت عديدا من الاتفاقيات والشراكات الدولية مع أفضل الجامعات على مستوى العالم وغيرها من الشركات المحلية والدولية، ورصدت عديدا من الجوائز مثل جائزة نقل التقنية وتطوير النماذج الصناعية، جائزة الجامعة للعلماء المتميزين، جائزة الجامعة للاكتشافات العلمية وبراءات الاختراع، وعديد من المبادرات وكراسي دعم الأبحاث العلمية، كما تم تأسيس مركز الاقتصاد المعرفي ونقل التقنية الذي يهدف إلى دعم الباحثين والمبتكرين من خلال تسهيل إجراءات حماية وتسجيل أفكارهم واختراعاتهم الواعدة والعمل على تحويلها إلى منتجات تجارية وصناعية وتسويقها، كما أسست الجامعة في 2010، شركة وادي جدة التي تهدف إلى تنوع استثمارات الجامعة وإيراداتها من خلال الاستثمار وحاضنات التقنية والحقوق الفكرية والنماذج الصناعية وفي براءات الاختراع وفي صناعة ونقل التقنية وتوطينها وتطويرها.
الجامعة أصبحت لديها إمكانات ضخمة، سواء من الكوادر البشرية ممثلة في الأعداد الكبيرة من الأكاديميين الباحثين والعلماء المبتكرين والمبدعين، والشراكات البحثية مع كبرى الجامعات على مستوى العالم، والإمكانات اللوجستية لديها، وأرى أن كل ذلك بالتأكيد يمكنها من أن تمتلك عديدا من الأبحاث والبراءات متنوعة التخصصات والبرامج المتطورة في مجالات متعددة، وتحقيقها وتطبيقها على أرض الوقع بقصص نجاحات واقعية، وذلك يكون عن طريق استغلال كل تلك الإمكانات الاستغلال الأمثل، بعمل خريطة طريق تبدأ من التقييم ودراسة مدى الحاجة الفعلية لكل تلك الشراكات والأبحاث والبرامج والابتكارات والاختراعات لديها ودراسة مدى جدواها اقتصاديا، وفي حال التأكد من ذلك، يتم التسويق لجلب الشركاء المستثمرين ومن ثم التصنيع والبدء في العملية الإنتاجية، ذلك من المؤكد سيكون له عظيم الأثر في زيادة إيرادات الجامعة وتنوع استثماراتها والمساهمة في إيجاد ودعم اقتصاد معرفي بشكل مستدام... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي