تفاؤل عالمي في غير أوانه «2 من 2»

على الرغم من صعوبة تحديد التأثيرات طويلة الأجل التي قد تخلفها على النمو كميا التوترات الجيوسياسية المتصاعدة اليوم، فإن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن انحسار العولمة قد يؤدي إلى تقلص الناتج المحلي العالمي الإجمالي بنحو 7 في المائة، بل ربما حتى بنسبة أكبر إذا اقترن ذلك بالانفصال التكنولوجي. وسيكون التحول إلى صافي الانبعاثات صـفرا، الذي يشكل تحديا هائلا بالفعل، أشد صعوبة في ظل اقتصاد عالمي مفتت.
من ناحية أخرى، نجد أن الإنفاق الدفاعي، الذي يتوقع كثيرون ارتفاعه 1 في المائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدار الأعوام العشرة المقبلة، من المحتمل أن يزيد بدرجة أكبر. وبينما أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارا وتكرارا أنه لن يبدأ حربا عالمية ثالثة بسبب أوكرانيا، فإن الحرب الباردة الثانية، التي تبدو أكثر ترجيحا، ستكون مروعة بالقدر ذاته، حتى لو استبعدنا الخطر المتزايد المتمثل في اندلاع حروب نووية إقليمية والإرهاب النووي. أيا كانت تصورات المرء بشأن فوائد العولمة، فمن المؤكد أننا سنفتقد واحدة من فوائدها الأساسية، الاستقرار الدولي.
من المفهوم أن يكون الشعب الأوكراني راغبا في استعادة حدوده كما كانت قبل الحرب والحصول على ضمانات من منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" بشأن الأمن في المستقبل، ومئات المليارات من الدولارات لمساعدته على إعادة البناء، فضلا عن توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب ضد روسيا. ومن الواضح أن تهديدات روسيا النووية لن ترهبهم. لكن عزوف ألمانيا عن تزويد أوكرانيا بدبابات حديثة يشير إلى أن قادة الغرب، في عموم الأمر، لا يشعرون بارتياح إزاء احتمال التحام الناتو بشكل مباشر في حرب مع روسيا.
يبدو أن خطة الغرب، في الوقت الحالي على الأقل، تتلخص في تزويد أوكرانيا بالقدر الكافي من المعدات لمساعدتها على استعادة بعض أراضيها، "لكن ليس بالقدر الذي يدفع بوتين إلى تكثيف هجومه"، أو على الأقل فرض حالة من الجمود. في حين تشكل العقوبات الاقتصادية جزءا أساسا من الاستراتيجية الغربية، فمن السذاجة المطلقة أن نتصور أن العقوبات وحدها قد تـنهي هذه الحرب. المكان الوحيد الذي ساعدت فيه العقوبات على تغيير النظام في العصر الحديث كان جنوب إفريقيا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ20. في ذلك الحين، كان العالـم متحدا بدرجة كبيرة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. لكن هذه ليست الحال مع الحرب الدائرة في أوكرانيا.
كانت الحرب الروسية - الأوكرانية سببا في الارتفاع التضخمي الذي أثر في العالم بأسره. لكن عند هذه المرحلة، من المرجح أن يخلف التصعيد تأثيرا انكماشيا في الأمد القريب، مع تملك الذعر من المستهلكين والأسواق. ولا تبدو توقعات النمو طويلة الأجل واعدة أيضا، حيث من المرجح أن يؤدي تفتت الاقتصاد العالمي إلى تفاقم حالة عدم اليقين.
من الممكن بكل تأكيد "أن تسعى روسيا إلى اتفاق سلام. ومن المحتمل أيضا أن تتمسك روسيا بخطتها لإعادة أوكرانيا إلى حدودها وتتحول في النهاية إلى دولة اقتصادية تابعة لروسيا بحكم الأمر الواقع. لا يخلو الأمر من نتائج محتملة عديدة أخرى، لكن العودة المبكرة إلى السلام في أوروبا ليست بعد واحدة منها. ربما نسي قادة المال والأعمال في العالم أمر أوكرانيا، لكنهم لن يتمكنوا من تجاهلها.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي