متلازمة التحذلق اللغوي
هل اللغة غاية أم وسيلة؟ وهل الرسوم الإملائية والقواعد النحوية غاية، أم وسيلة ورسم متفق عليه لأغراض التواصل وتوثيق الأفكار؟ أنا شخصيا أعتقد أنهـا "وسيلة" وليست "غاية".. لا أعتقد أن اللغة شيء مقدس أو أوجدت كاملة حيث لا يجوز تغييرها أو تطويرها ـ وجميعنا يعرف أنها تطورت من أشكال أكثر قدما.. لم أعد أتوقف كثيرا عند الهمزات والتنوين وحروف التشكيل "كي لا ينقطع حبل أفكاري"، خصوصا بعد أن أصبحت كتابتها صعبة على مفاتيح الكمبيوتر والهاتف.. ولعلمي بوجود من يراجع المقال بعدي في الصحيفة، لم أعد أهتم بتتبع الأخطاء البسيطة "التي لا تخل بالمعنى" طالما نجحت في إيصال الفكرة إلى القارئ. لو كان الأمر بيدي لأعدت تبسيط قواعد الإملاء، وكتبت الكلمات كما تنطق فعلا، خصوصا أن بعضها يكتب بطريقة خاطئة منذ قرون مثل مئة وسموات.. كنت سأختصر حروف المد والتشكيل، وأصدر قرارا بجعل الهمزة حرفا إضافيا مستقلا كي نتخلص من تحركاتها الدائمة "وكتبت في هذا مقالا تجده في النت بعنوان، الحرف الذي لا يعترف به أحد". لست من دعاة التعجيم والتكسير، لكنني أرى أن تطور اللغات أمر طبيعي، وأن الوظيفة النهائية لأي لغة هي إيصال المعاني والأفكار بأسهل طريقة ممكنة "وهو ما تفعله أحيانا اللغة العامية أفضل من اللغة الفصحى". لا أطالب بنسف ما ورثناه من قواعد نحوية ورسوم إملائية، بل بترك فسحة للتجاهل والتطوير وتبسيط القواعد. بالتخلي عن محاولة فرض اللغة الفصحى القديمة كي لا نعيق تطور اللغة الحديثة، "وأقول هذا من باب المجاملة فقط، لأن الناس هذه الأيام لا يستخدمون أصلا اللغة الفصحى رغم تدريسها في جميع المراحل". لا أعتقد أن استعمال "اللغة العامية" شيء خاطئ أو معيب، ولا يمكننا لوم الناس على الحديث بلهجاتهم المحلية لكونهم لم يولدوا في زمن قريش ولم يعيشوا في بادية بني سعد. على العكس تماما، محاولة الحديث بالفصحى هو ما يشتت عملية التواصل ويخل بوظيفة الكلام.
حين ترى شخصا يتخلى عن لهجته المفهومة من الناس ليتحدث بلهجة توفي أهلها منذ قرون "أو يتتبع الأخطاء اللغوية كما يتتبع المتقاعد المفاتيح الكهربائية"، فأعلم أنه يعاني وسواسا قهريا ونفسيا يلاحظ لدى حراس اللغة في جميع الأمم والثقافات. نعم، وسواس قهري، وحالة نفسية يدعوها علماء النفس متلازمة التحذلق اللغوي أو Grammatical Pedantry Syndrome إن لم يعجبك كلامي، انس الموضوع، وحاول استخراج الأخطاء السبعة في هذا المقال.