ما هو أسوأ من الكارثة

أعلن بنك جولدمان ساكس صافي أرباحه للربع الثاني من هذا العام، حيث بلغ 3.44 مليار دولار، من أصل إجمالي إيرادات للفترة نفسها بلغ 6.8 مليار دولار. وهذا أعلى مستوى من الأرباح حققه البنك عبر تاريخه الذي يمتد لمدة 140 عاماً. وبهذه المناسبة أعلن البنك أنه سيخصص مبلغ 11.4 مليار دولار رواتب ومكافآت وحوافز للموظفين عن النصف الأول من عام 2009م، كما نقلت صحيفة ''نيويورك تايمز'' أخيرا (14/07/2009). هذه الحوافز فاقت الحوافز التي كان يدفعها البنك حتى في أوج الفقاعة العقارية.
وقد عبر شيرود براون عضو الكونجرس الأمريكي عن استيائه من هذا التصرف بقوله: ''إن الناس في أنحاء البلاد يشعرون بالإحباط عندما يرون جيرانهم يفقدون وظائفهم في الوقت الذي تقدم فيه الحكومة الدعم لشركة AIG وبنك جولدمان ساكس، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى أن تعلن هذه المؤسسات أرباحاً هائلة وحوافز ضخمة. أظن الناس في ذهول أن النظام يعمل بهذه الطريقة''.
بالتأكيد استطاع بنك جولدمان تحقيق عدة صفقات مربحة في الأسواق المالية، ونجح في زيادة رأسماله بعدة مليارات. لكن البنك لم يكن ليقف على قدميه بعد انهيار بنك ليمان براذرز وترنح شركة AIG لولا الدعم الحكومي: 13 مليار دولار تعويضات حكومية لعقود البنك مع شركة AIG، 28 مليارا قروض منخفضة التكلفة من خلال مؤسسة التأمين على الودائع FDIC، فضلاً عن التسهيلات المباشرة من ''الاحتياطي الفيدرالي'' بفوائد قريبة من الصفر، وهي تفاصيل غير معلنة.
وهذه الأرباح التي حققها ''جولدمان'' ترجع إلى صفقات ووساطة في الأسواق المالية: السلع والعملات والسندات ونحوها، خاصة في ضعف وغياب المنافسين من البنوك الأخرى. لكن لا علاقة لها بالاقتصاد الحقيقي، بل العكس، حيث أرجع بعض المحللين ترقية التوصيات للتداول في أسهم جولدمان إلى حجم السندات الهائل الذي تصدره الحكومة الأمريكية، وما يمكن أن ينتفع به البنك من عمليات الإصدار والوساطة، كما نقلت ''وول ستريت جورنال'' (13/7/2009).
الأغرب من ذلك هو موقف المسؤولين من سلبية البنوك تجاه الاقتصاد الحقيقي. في مقابلة مع مجلة ''التايم'' آخر حزيران (يونيو) الماضي، سُئل تيم جايتنر وزير المالية الأمريكي: ''نجحت عدة بنوك في رد قروض الحكومة الاتحادية (التابعة لبرنامج TARP)، لكن البنوك مع ذلك لا تقدم القروض للنشاط الاقتصادي بما يكفي؟'' فأجاب: ''عليك أن تتذكر أن الأزمة نشأت ابتداء لأسباب منها أن الأسر حول العالم تحملت كثيرا من الديون. فالدَين في اقتصادنا ارتفع بنسبة غير عادية، ونحن الآن في كساد لأن الناس يجب أن يعودوا إلى نمط الحياة الذي يسمح به دخلهم. وهذا يعني أن عودة النشاط الاقتصادي ستأخذ وقتاً أطول من المعتاد''.
بعبارة أخرى، إن المجتمع الأمريكي غارق في الديون ومن ثم غير قادر على استيعاب مزيد من القروض، ولذلك لا نستغرب أن البنوك لا تقرض بالشكل المأمول. لكن إذا كان الحال كذلك لماذا الهلع لإنقاذ هذه البنوك ابتداء إذا كانت لن تقدم القروض كما ينبغي؟!
لقد تبين الآن أن الدعم الحكومي لمن كانوا هم سبب الأزمة ابتداء لم يعُد على الاقتصاد بالنفع المنشود، وأن المجتمع يجب أن يدفع ثمن الإسراف في الديون، وفوق ذلك ثمن إنقاذ هذه البنوك التي أغرقته في هذه الديون! إن هذه النتائج أضر على النظم الرأسمالية من الكارثة نفسها، لأنها تبين عمق الخلل والظلم الذي تنطوي عليه، ومناقضتها لبداهة الفطرة والمنطق السليم.
إن العالم اليوم في حاجة حقيقية للإنقاذ، ولا يوجد نظام مرشح لهذه المهمة غير الاقتصاد الإسلامي. فهل المؤسسات الإسلامية على مستوى المسؤولية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي