مؤشرات أخطار اقتصادية على العالم
ينذر المنتدى الاقتصادي الدولي في دراسة له، نشرها في تقرير خاص مطلع 2023، كما أوردنا في المقالات السابقة، بـ32 خطرا رئيسا في مواجهة العالم. ويقسم المنتدى هذه الأخطار إلى خمسة أقسام رئيسة: تقنية، وبيئية، واجتماعية، واقتصادية، وجيو ـ سياسية، كما يضعها في أولويات، تبعا لأهميتها وضرورة مواجهتها، على مدى الأعوام العشرة المقبلة. وهذا هو المقال الرابع في طرح هذه الأخطار ومناقشتها، وهو يختص بالجانب الاقتصادي منها. لكن وعلى الرغم من تقسيم الأخطار تبعا لموضوعاتها الرئيسة، إلا أنه لا بد من القول إن هناك داخلا بين موضوعات هذه الأخطار، سواء في أسبابها أو نتائجها، أو حتى أساليب معالجتها. لكن يبقى التقسيم مفيدا من أجل طرحها بشكل منظم، من خلال الانتماء الموضوعي الرئيس لكل منها.
هناك ستة أخطار، تصنف على أنها اقتصادية، بين مجمل الـ32 خطرا التي يطرحها تقرير الدراسة. وتشمل هذه الأخطار: أزمات الديون، والفشل في تحقيق استقرار مسار الأسعار، واستمرار الانكماش الاقتصادي لفترات طويلة، وانهيار صناعة مهمة، أو ربما تعثر سلسلة تزويد معطيات حيوية إلى العالم أو إلى أجزاء منه، وانتشار النشاط الاقتصادي غير المشروع، وانفجار فقاعات أسعار الأصول. وسنقدم، في هذا المقال، تعريفا بكل من هذه الأخطار، مع بعض التعليقات بشأنها، خصوصا في إطار اختلاف مداها بين الدول، إضافة إلى خلاصة أخيرة جامعة.
لعلنا نبدأ بالخطر الاقتصادي الأول، بين الأخطار المطروحة، وهو خطر أزمات الديون، الذي يحتل المركز الـ14 بين مجمل الأخطار الـ32. يحدث هذا الخطر عندما تتراكم الديون تدريجيا على دولة من الدول، بحيث تتجاوز قدرتها على السداد. ولا يقتصر حدوث ذلك على مستوى الدول، بل قد يشمل مستوى الشركات والأفراد أيضا. وتتمثل هذه الأزمات في حالات من العسر في السيولة المالية والإفلاس، وأزمات ما يعرف بالديون السيادية، عندما لا تستطيع الدولة المصابة سداد المستحقات المالية الأساسية عليها.
وننتقل إلى الخطر الاقتصادي الثاني، وهو خطر الفشل في استقرار مسار الأسعار، الذي يحتل المركز الـ19 في مجمل الأخطار. ويتمثل هذا الخطر في فقدان الدول المصابة القدرة على التحكم في أسعار السلع والخدمات، خصوصا الأساسية منها. ويشمل ذلك قضايا التضخم وزيادة أسعار بعض السلع من جهة، إضافة إلى شؤون انكماش وتقلص أسعار سلع أخرى، ربما تكون مهمة للتصدير وجني بعض المال.
يطرح الخطر الاقتصادي الثالث أمر الانكماش الاقتصادي للدول لفترات طويلة، ويأتي هذا الخطر في المركز الـ21 بين مجمل الأخطار. وتشمل مظاهر هذا الخطر، تعثر النمو الاقتصادي، المتمثل عادة في إجمالي الناتج المحلي، وانكماشه لأعوام متتالية. وقد تعاني دول مؤثرة هذا الخطر، ما يؤدي إلى انتشاره واحتمال شموله العالم بأسره، خصوصا أن النشاط الاقتصادي يتسم بالتداخل بين الدول على نطاق واسع.
يرتبط الخطر الاقتصادي الرابع، الذي يحتل المركز الـ24 في مجمل الأخطار، بموضوع انهيار صناعة أو تعثر سلسلة تزويد معطيات حيوية إلى دول تحتاج إليها، عبر التجارة الدولية. ومن أمثلة هذه المعطيات المنتجات الغذائية، ومنتجات الطاقة، وغير ذلك من سلع حيوية. وقد برزت مثل هذه الأخطار خلال الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة حتى الآن. فقد ظهرت مشكلة تختص بتوريد القمح من أوكرانيا إلى دول العالم، إضافة إلى مشكلة توريد الغاز من روسيا إلى أوربا، فضلا عن المآسي الكثيرة الأخرى لأي حرب بالنسبة إلى الناس المقيمين في ساحاتها.
ونأتي إلى الخطر الاقتصادي الخامس الخاص بالنشاط الاقتصادي غير المشروع، وهو الخطر الـ29 في مجمل الأخطار. ومن هذه النشاطات تهريب السلع بين الدول من أجل التهرب من الضرائب، وتزييف بعض السلع والاتجار غير المشروع بها، إضافة إلى الاتجار بالحياة البرية، حتى الاتجار بالبشر. ومن آثار مثل ذلك عادة تكاثر العصابات المنفذة لمثل هذه الأعمال، وزيادة الجريمة، بما يهدد أمن المجتمع، ويلحق الضرر بنشاطاته الاقتصادية السليمة.
ونصل إلى الخطر الاقتصادي السادس، الـ31 في قائمة الأخطار على العالم، وهو خطر انفجار فقاعات أسعار الأصول. والمقصود بالأصول هنا، على سبيل المثال لا الحصر، الأراضي والمساكن، وأسهم الشركات، وصناديق الاستثمار التي تجمع باقات منها، والعملات المشفرة، وغير ذلك. فكثيرا ما ترتفع أسعار مثل هذه الأصول، لأسباب مختلفة تشمل نواحي دعائية، وذلك بما يتجاوز قيمتها الفعلية على أرض الواقع، وهو ما يتمثل بتعبير فقاعات في الأسعار. وتؤدي هذه الفقاعات، البعيدة عن الواقعية، إلى انحسار كبير في الطلب، يقود إلى انفجارها، حيث تتقلص الأسعار إلى حدود دنيا تقل عن القيمة الفعلية، مسببة اضطرابا اقتصاديا، كان يمكن تجنبه.
ولعل من المُناسب، في الحديث عن الأخطار الاقتصادية التي يُواجهها العالم، تذكر الهدفين المذكورين ضمن الأهداف الـ 17 للتنمية المُستدامة نحو العام 2030، التي أطلقتها الأمم المُتحدة عام 2015؛ وهُما هدف التخلص من الفقر، وهدف القضاء على المجاعة. ويُضاف إلى ذلك أيضاً تذكر كتاب يحمل عنوان "البليون الأدنى" الذي وضعه "بول كوليار Paul Collier"، الأستاذ في جامعة أكسفورد الشهيرة، والذي تحدث فيه عن البليون الأقل حظاً من سكان العالم. وقد دعا "كوليار" بريطانيا والدول الأوربية إلى الإسهام في تأهيل دول هؤلاء السكان على غرار ما فعلت أمريكا، في "مشروع مارشال" مع الدول الأوربية التي كانت منهكة اقتصادياً بعد الحرب العالمية الثانية.
لا شك أن جميع دول العالم تواجه مشكلات اقتصادية، سواء في إطارها المحلي، أو في تعاملاتها على المستوى الدولي. لكن قسوة هذه المشكلات وتأثيرها في الإنسان تختلف بين دولة وأخرى. وعلى كل دولة أن تدير اقتصادها إدارة رشيدة. وعلى الدول المتقدمة مسؤولية إضافية تتمثل في مساعدة الدول الأقل حظا على النهوض. ولا يأتي ذلك بالمعونات الاقتصادية فقط، وإنما بنشر المعرفة، وإقامة الأعمال الممكنة لتوظيف الإنسان في نشاطات مفيدة. ويبرز في هذا المجال المثل الشهير الذي يقول "لا تعطيه سمكة، بل علمه كيف يصطاد".