هايك .. عراب الحقبة الليبرالية
فريدريك هايك اقتصادي نمساوي ولد في فيينا 1899، وحصل على الدكتوراه في القانون والسياسة في 1920ـ1921، وعلى دكتوراه في الاقتصاد السياسي 1923. أبوه كان طبيبا، وعاش حياة مريحة بسبب ثراء جده لأمه، لم يكن اقتصاديا فحسب، لكن عرف بطرحه الفلسفي والسياسي والاجتماعي امتدادا للمدرسة النمساوية التي بدأها ميسس الذي يبدو أنه أثر فيه فكريا بعد الاستماع لعديد من محاضراته، وساعده بعد رحلة إلى أمريكا ليصبح مدير معهد بحثي لدورات الأعمال في فيينا. تظهر أهمية هايك أيضا في الجدل بينه وبين كينز كأهم معاصر له. نشر أول كتبه في 1929 بعنوان "النظرية النقدية ودورة التجارة". وفي 1931 انتقل بدعوة إلى كلية لندن للاقتصاد ليستمر أستاذا حتى 1950 حيث حصل على الجنسية. سرعان ما دخل في جدال مع كينز إلى أن ظهر كينز ربما بأشهر كتاب اقتصادي في القرن الـ20 ـ النظرية العامة، ولم يرد هايك حتى 1941 بكتاب عنوانه "نظرية رأس المال"، لكن الكتاب لم يلق رواجا واسعا. الاختلاف الأساس بدأ بتجربة هايك الحياتية والفكرية في ظل تجربة الإمبراطورية النمساوية الهنغارية ونظامها الشمولي وحذره من السلطة المركزية، بينما مرجعية فكر كينز تعود إلى تحليل الكساد العالمي في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات وفشل الحكومات ومخاطر الحروب بسبب الفشل الاقتصادي والتعامل معه، وبالتالي انصب على تقديم حلول للسياسة العامة على حساب الأيديولوجيا.
اهتمام هايك كان بالحرية بما في ذلك الحرية الاقتصادية وتفاعلها مع الحرية السياسية والاجتماعية وعدم قدرة أي سلطة مركزية على توجيه وإدارة الاقتصاد، بينما رأى هايك أن كينز يدافع عن دور الحكومة المتنامي في إدارة الاقتصاد ودولة الرفاهية التي تقود في نهاية المطاف إلى التسلط والعبودية. انصب اهتمامه على مناقشة الاشتراكية إلى أن نشر أهم كتبه ـ الطريق للعبودية في 1944، كتاب أصبح أعلى المبيعات في الحال. إلى أن جاءت الحرب الباردة حيث شكل الكتاب القاعدة الفكرية للطرح الليبرالي الغربي على الرغم من سيطرة فكر وطرح كينز في السياسات العامة الاقتصادية. في تلك المرحلة كانت أهمية الطرح الفلسفي السياسي أهم من طرحه الاقتصادي، الذي أصبح أكثر أهمية مع سياسات ريجان وتاتشر لاحقا، ربما بسبب التوسع في سياسات الرفاهية، وعودة التيارات المحافظة إلى الواجهة الاجتماعية السياسية في الدول الغربية الرئيسة.
إحدى أهم النواحي في طرحه كانت حول دور المعلومات في المجتمع، حيث لدى كل منا معلومة لكنها بالضرورة ناقصة عن المجتمع، وبالتالي لا أحد يستطيع التنسيق بين الجميع إلا السوق من خلال الأسعار التي نصل إليها عفويا وفي الأغلب في آن واحد دون سلطة مركزية، لذلك كان نقده بأن الاقتصاديين يحاولون تقليد الأطباء والعلماء الماديين في تشخيص التحديات الاقتصادية. في 1950 انتقل إلى جامعة شيكاغو ليكون عضوا في لجنة الفكر الاجتماعي واستمر أستاذا إلى 1962، حيث انتقل إلى جامعة فرايبورغ الألمانية واستمر إلى أن تقاعد في 1968. وفي 1974 حصل على جائزة نوبل للاقتصاد مناصفة مع السويدي قونار ميردال الذي لا يتفق معه في الطرح الاقتصادي. منح الجائزة لمساهمته في دور النقود في التذبذب الاقتصادي وطرحه في التداخل والتحليل المؤسساتي بين الاقتصاد والاجتماع والسياسة. عمليا ربما تنبع أهمية هايك في كونه أسس لاحقا توجهات ملتون فريدمان كاقتصادي المرحلة الليبرالية الجديدة. قال على سبيل المرح الفكري، إن كارل ماركس لا يسمع بأذنه اليمنى. تزوج في 1950 وخلف طفلين وتوفي في ألمانيا في 1992.