سايمون اقتصادي متنوع
هربرت سايمون اسم غير معروف لغير الاقتصاديين، لكن ربما يكون من الجيل المؤسس لقسم الاقتصاد في جامعة شيكاغو، وتميز بأنه متنوع المساهمات بعد أن بدأ علم الاقتصاد يتفرع إلى المالية وعلاقتها بالعقلانية المؤطرة والخيارات في القرار وتنظيم الشركات. ولد لعائلة يهودية من الطبقة الوسطى في ولاية وسكنسن، وتخرج في جامعة وسكسن ـ ملواكي في 1936 في العلوم السياسية والاقتصاد، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة شيكاغو في 1943 في الاقتصاد والرياضيات.
بدأ التدريس في معهد إلينوي التقني ثم انتقل إلى كارنيجي ميلون، حيث درس وعلم علوم الحاسب الآلي وعلم النفس في تنوع أكاديمي غير مسبوق. تنوع مكنه من التطرق إلى نواح أكاديمية وتجريبية تتداخل فيها تخصصات مختلفة.
أهم مساهماته كانت في عملية صنع القرار والعقلانية المؤطرة. يقول سايمون، إن عملية صنع القرار عند الإنسان ليست دائما عقلانية، كما يفترض الاقتصاديون، إذ تحد من العقلانية القدرة على تحليل الكم من المعلومات والقدرات الإدراكية وضغوط الوقت، لذلك وظف مصطلح العقلانية المؤطرة، لأن صانع القرار لا بد أن يوظف قوانين جزافية من خبرته وتجاربه في تفسير الأمور. هذا أيضا قاده إلى تطوير فكرة "الرضا"، حيث يلجأ الفرد إلى حل مرض أكثر من كونه الأمثل، إذ عادة يلجأ الفرد إلى الاختيار من خيارات محدودة، ويقرر بناء على الأنسب بينها، وليس من خلال دراسة معلقة لكل الخيارات الممكنة.
جاءت الفكرة مناقضة لفكرة تعظيم المنفعة الحدية عند المنظرين الاقتصاديين. كذلك له مساهمة في السلوك الإداري، إذ طور فكرة "الرجل الإداري"، حيث يقرر المدير بناء على معلومات ناقصة وتقدير شخصي بناء على قدراته الإدراكية والعادات السائدة في المجتمع والاعتبارات السياسية. معرفته بعلوم الحاسب الآلي والسلوك الإداري والخيارات مكنته من أن يكون من أوائل المنظرين في الذكاء الاصطناعي والنمذجة الإدراكية لدراسة التصرفات، كذلك من أوائل المهتمين بالاقتصاد السلوكي. جهوده وأبحاثه في عملية صنع القرار والسلوك المحيط به أدت إلى فوزه بجائزة نوبل في الاقتصاد في 1978.
رغم اهتمامه ومساهماته البحثية والأكاديمية إلا أنه عاش حياة اجتماعية نشيطة، حيث عرف بالتواضع ومساعدة الآخرين وحب الموسيقى وممارستها والقراءات المتنوعة بعيدا عن الاقتصاد، ربما بسبب خوضه في تخصصات أكاديمية متنوعة. دائما يذكر أن سبب نجاحه كان التعاون مع زملائه وطلابه. عرف بجديته في كل شيء في حياته بما في ذلك حبه لعائلته، حيث تزوج اقتصادية وأنجب ثلاثة أطفال. كذلك كانت لديه اهتمامات سياسية واجتماعية، وكان حريصا على توظيف أفكاره في الحياة العملية لحل المشكلات والتحديات المجتمعية. ترأس عدة جمعيات، منها الجمعية الاقتصادية الأمريكية، ومعهد العلوم الإدارية. عاش حياة حافلة أصبحت مثالا، خاصة في تنوعها الأكاديمي، وربط التنظير بتقديم حلول عملية لتحديات المجتمع المتشابكة التي لا تسمح بمنظور تخصص واحد. توفي في 2001 عن 84 عاما.