اللعبة الخاسرة
أحيانا قراءة كتاب أو مقال ترجع بك إلى مقال آخر أو كتاب آخر، لذلك وجدت نفسي أقرأ مقالا قديما كتب في 1975 تحت عنوان هذا العمود لكاتبه شارلز ألس- Charles Ellis.
لفت نظري أن الموضوع قديم ويعاد، لكن الناس لا تتعلم. يتعامل المقال مع عدم قدرة مديري المحافظ على التفوق على أداء المؤشر. بالتالي يخسر المستثمر ويستفيد المدير غالبا، على الرغم من التأهيل التعليمي الجيد والثقة الفنية والقدرات التحليلية في معلومات هؤلاء المديرين إلا أن أداءهم لا يتناسب مع قدراتهم وما يقولون عن أنفسهم.
يقول شارلز: إن اعتقاد هؤلاء بأنهم قادرون على التفوق على المؤشر جاء بسببين: الأول، أن مستوى السيولة المتوافرة في السوق عامل إيجابي في صف المدير، لأن هذا العامل غير متوافر للفرد العادي "لاحظ أن هذا السبب تقلص دوره الآن مقارنة حين كتب المقال، جزئيا بسبب التقدم في التقنية"، والثاني، الاستثمار المؤسسي يصب في مصلحة المدير "الشركة التي يعمل بها" أكثر من الفرد.
إذا قفزنا للحاضر، فلا يزال أغلب المديرين في أمريكا، حيث التوثيق والتجربة أطول، تقول إن نحو 90 في المائة من المديرين لا يستطيعون تجاوز المؤشر في الأداء، خاصة بعد خصم أتعاب الإدارة، لكن الظاهرة معروفة في دول كثيرة منها المملكة. هذا الطرح قاده إلى كيفية التعامل مع طبيعة اللعبة.
ينوه المقال بدراسة إحصائية للدكتور سايمون رامو، الذي يفرق بين نوعين من لعب التنس، النوع الأول "اللعبة الكاسبة" للاعب المتمكن الذي يريد أن يفوز، لذلك يلعب لتحقيق الفارق في النقاط مباشرة، خاصة بداية بالإرسال القوي لكي يتمكن من التحكم في توجيه الكرة لاحقا. النوع الثاني "اللعبة الخاسرة" للاعب غير المتمكن الذي من الأمثل له ألا يجازف بلعبات قوية، لكن فقط يحاول تقليل الأخطاء، واللعب على الوقت للاستفادة من أخطاء الخصم. إذ في الأغلب سيحاول أن يتفوق بتحقيق نقاط مبكرة، لكنه سيكرر الأخطاء، فقد يكون إرسالا قويا لا تستطيع التعامل معه، لكن سرعان ما يخطئ.
الواضح من هذه المقارنة أن اللعبة مختلفة جذريا. الإشكالية في اللعبة الكاسبة أن تجذب كثيرا، ولذلك يخسر كثيرا. هناك الكثير من الألعاب التي تجد فيها تلك الخواص، أحدها إدارة الأموال. ما حدث في السوق الأمريكية في الستينيات قبل كتابة مقال شارلز، أن السوق أصبحت مؤسساتية أكثر منها سوق أفراد، لذلك تغيرت اللعبة، ما سبب حالة من عدم التكيف لكثير، لذلك حقق أغلب المديرين خسائر. لكن هناك دروسا من التجربة لخصها المقال في نقاط عدة. الأولى، تأكد أنك تلعب لعبتك، إذ عليك الخيار قبل اللعب، افرض على الخصم طريقة لعبك. أعط الخصم أعلى فرص للأخطاء. الثانية، حافظ على البساطة من خلال تكرار الخطوات والفنيات التي تجيدها.
البساطة والتكرار يرهقان الخصم، كذلك الحال في إدارة المال. مارس ما تعرفه بكفاءة وقلة في الخطوات، وتقليل فرص الأخطاء، فالشراء الكثير يرفع فرص احتمال الأخطاء.
الثالثة، ركز على الدفاعات، فكل المعلومات والقرارات في الأغلب تركز على الشراء في الاستثمارات، لذلك تصعب المنافسة في الشراء، لذلك من الأفضل التركيز على بيع الأسهم الخاسرة. في اللعبة الكاسبة يكون 90 في المائة من الأبحاث والتقصي منصبا على الشراء. لكن أغلب المشكلات التي يعانيها كثير من المستثمرين في بيع المراكز الخاسرة. لذلك التخلص من المراكز الخاسرة خطوة ضرورية للفوز باللعبة الخاسرة.
الرابعة، لا تأخذ الموضوع شخصيا، خاصة أن كثيرا يعد العدة من تعليم وتدريب لدخول اللعبة الكاسبة، بينما الأفضل له إجادة اللعبة الخاسرة.
أخيرا، تمر السوق السعودية بمرحلة جديدة يرتفع فيها الدور المؤسساتي على حساب الفردي، لذلك بدأ دور مديري المحافظ ينكشف، كما التجربة في أمريكا وغيرها. لذلك، فالنصيحة للمستثمر أن يحدد نوع اللعبة، ويعظم المصلحة من اللعبة الخاسرة.