فتح المجال والاحتيال المالي
"لا تفتح مجال" عبارة تصدرت حملة الأمن السيبراني لتوعية العموم تحذيرا من الوقوع ضحايا لجرائم الاحتيال المالي، والمقصود ألا تتسرع بفتح ملف أو تصدق مكالمة أو إيميلا، وتنصح الحملة بالتفكير لمدة خمس ثوان قبل أن تقرر ماذا تفعل، ولا شك أن الاستعجال مقرون بالثقة المفرطة بما يصل إلى أجهزتنا، ثغرة كبيرة استطاع من خلالها المحتالون التمكن من الاختراق للسرقة والابتزاز، لكن لا أعتقد أن خمس ثوان كافية، خاصة إن لم يرد في المقطع المتصدر لحملة التوعية مرجع تقني "موقع مثلا" يمكن التأكد من خلاله من صحة الروابط أو الملفات التي تصل إلى المستخدمين العاديين وهم الأكثرية.
من ناحية أخرى فإن فتح المجال للاحتيال لم يكن المستخدم الفرد هو المسؤول الأول عنه بل كان ضحيته، فتح المجال كان بسبب الاستعجال في تقديم الخدمات المالية الرقمية قبل التأكد من متانة الحماية للمستخدمين، وأيضا عدم توعيتهم بشكل مركز قبل الدخول إلى الحياة الرقمية المالية.
لعل القراء يتذكرون كيف كانت ردود الفعل على أوائل الشكاوى من جرائم الاحتيال المالي، خصوصا التي استهدفت الحسابات البنكية للأفراد، في تلك الفترة ساد الصمت من الجهات المعنية والبنوك لمدة طويلة نسبيا، بل إن البعض وضع كامل المسؤولية على المستخدم وكأنه من الضرورة أن يكون خبيرا تقنيا، وسواء كانت شكاوى المتضررين بالحضور الشخصي لفروع البنوك أو عن طريق وسائل التواصل المختلفة، اتسم التفاعل معها بالبطء أو الإحالة إلى الرسائل الخاصة في منصة إكس على سبيل المثال، رغم أن كل رد في العام يمكن أن يسهم في توعية الجميع. بعدها قام البنك المركزي بإلزام البنوك ببعض الإجراءات لمزيد من الحماية وقد حققت كثيرا من النجاح، وهو ما يشير إلى مستوى الضعف في فترة إطلاق الخدمة، ولتجاوز ذلك فيما يبدو أطلق "ساما" أخيرا برنامجا لمدة ثلاثة أشهر ـ لتطوير القدرات الوطنية وتدريب وتأهيل مجموعة من منسوبي البنك المركزي السعودي والقطاع المالي من البنوك المحلية، تستهدف فيه الحملة الوقاية بالتوعية وهذا في غاية الأهمية والضرورة، لكن لا بد أن يتضافر معها اهتمام حقيقي من موظفي البنوك وشركات التقنية المالية بكل شكوى من نقص رصيد أو احتمال احتيال مالي، ومن أهم ما يمكن للبنك المركزي القيام به إلزام البنوك بموظف تقني في كل فرع يكون من مسؤوليته التحقق من كل شكوى يضطر فيها المتضرر للحضور الشخصي بدلا من إحالته "أو تصريفه" لهنا وهناك، وكأن البنوك في حالة فصام بين التقني والواقعي.