تطبيق القومية الاقتصادية بالطريقة الصحيحة «2 من 2»

لم تكن هذه مجرد برامج اقتصادية. لقد كانت مشاريع تجديد وطنية تهدف إلى اللحاق بالغرب. وكما قالت عالمة السياسة اليزابيث ثوربون من جامعة نيو ساوث ويلز ومؤلفوها المشاركون، فإن صناع السياسات ذوي العقلية التنموية "ينظرون إلى القدرة التصنيعية المحلية، والاستقلال التكنولوجي، والقدرة التنافسية التصديرية باعتبارها الأسس الحيوية للشرعية السياسية المحلية، والأمن القومي، ومكانة دولية، وتبني دور مركزي للدولة في تحقيق هذه الأهداف من خلال التدخلات الاستراتيجية في السوق".
لا يستطيع أحد أن ينكر نجاح هذه البلدان. فقد أنقذ نموها الاقتصادي السريع مئات الملايين من البشر من الفقر المدقع، ورفع بعضهم إلى مرتبة الاقتصادات المتقدمة في أقل من جيلين. ولم تصبح الصين قوة اقتصادية فحسب، بل أصبحت المنافس الجيوسياسي الرئيس للغرب.
لقد قوبل الصعود الدراماتيكي لكل دولة باتهامات بأنها لم تكن منفتحة بالقدر الكافي، ولم توفر القدر الكافي من القدرة على الوصول إلى الأسواق. وكثيرا ما كانت إعانات الدعم الحكومية واسعة النطاق -للصلب، والسيارات، والخلايا الشمسية، وما إلى ذلك- تعمل على تقويض المواقف التنافسية للشركات الأجنبية وتثير غضب حكوماتها. ومع ذلك، على العموم، كانت القومية الاقتصادية في شرق آسيا بمنزلة نعمة لبقية العالم. حتى في ظل الحواجز التجارية هنا وهناك، فإن الأسواق المزدهرة التي أوجدتها للشركاء التجاريين كانت أكبر كثيرا من أي استراتيجية اقتصادية بديلة كانت لتنتجها. فضلا عن ذلك فإن إعانات الدعم -وفقا لمنطق الليبراليين الاقتصاديين- كانت بمنزلة هدية لدول أخرى، لأنها ساعدت على خفض الأسعار بالنسبة للمستهلكين.
من المؤكد أن التوسع السريع في صادرات الصين صنع بعض الصعوبات المهمة بالنسبة للاقتصادات المتقدمة. فقد أدت "صدمة الصين" إلى خسارة الوظائف على المدى الطويل في المناطق الأكثر تعرضا للمنافسة من جانب الواردات الصينية، وبالتالي زيادة الدعم السياسي للشعبويين اليمينيين الاستبداديين في كل من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. لكن إذا كان هناك من يتحمل مزيد من اللوم، فهو الحكومات الغربية، لأنها فشلت في إدارة التجارة مع الصين على النحو اللائق (من خلال عدم تحرير تجارتها ببطء أكثر، على سبيل المثال). وبينما كانت الصين تحقق أداء تصديريا قويا إلى حد غير عادي، كانت هذه الحكومات تتشبث بإيمان مفرط بالليبرالية الاقتصادية.
بطبيعة الحال، لم تحقق النزعة القومية الاقتصادية نجاحا طيبا في كل مكان. فقد انخرطت حكومات كثيرة للغاية في الحوكمة المفرطة (ملكية الدولة أو سيطرتها)، ودعمت شركات غير فعالة فترة أطول مما ينبغي، وأغلقت اقتصاداتها بشكل عشوائي للغاية. عندما ترتكب الحكومات هذه الأخطاء، فإن شعوبها هي التي تدفع الثمن في المقام الأول. إن فشل القومية الاقتصادية معناه سياسة إفقار الذات، وليس سياسة إفقار الجار.
إن الحركة التنموية في شرق آسيا تقدم لنا درسا مهما لعالم اليوم. إذا ركزت القومية الاقتصادية في الولايات المتحدة على إيجاد اقتصاد محلي قوي وشامل، فستحقق كثيرا من الخير ـ حتى عندما تنتهك بعض مبادئ الليبرالية الاقتصادية. والواقع أن مثل هذه الاستراتيجية من شأنها أن تحيي تقليدا سابقا من نزعة التنمية في تاريخ الولايات المتحدة. وستستفيد بلدان أخرى في نهاية المطاف من اقتصاد أمريكي أكثر صحة ومجتمع أكثر تماسكا، ولن يكون لديها الكثير لتشكو منه.
وكما يوضح سويس، فإن القومية الاقتصادية عادة ما تكون استجابة لتخلف الدول الأخرى عن الركب. هنا، تجربة الولايات المتحدة الحالية مختلفة بعض الشيء. ورغم أن دولا أخرى -الصين بشكل خاص- تمكنت من اللحاق بالركب، فإن الولايات المتحدة تظل الدولة الأقوى على المستوى التكنولوجي والعسكري في العالم.
الخطر إذن هو أن القومية الاقتصادية الأمريكية ستذهب إلى ما هو أبعد من بناء مجتمع أفضل وتحقيق الهدف في الداخل. وإذا تصرفت الولايات المتحدة كالبلطجة، بفرض تفضيلاتها السياسية على الآخرين وسعيها إلى تقويض التطور التكنولوجي لدى منافسيها، فإنها ستلحق ضررا كبيرا ببقية العالم ولن تنفع نفسها إلا قليلا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي