تحفيز الزراعة بالابتكار

تخطط وترسم الشركات المختصة حول العالم سياسات مستمرة ومتطورة في إنتاج الأسمدة والأملاح الداعمة للإنتاج الزراعي، وطرح مزيد من الكميات في السوق، ولا سيما أن الطلب عليها يرتفع يوما بعد آخر، مع الإقبال على المنتجات الغذائية عموما. فقبل عامين تقريبا، شهدت إمدادات الغذاء أزمة حقيقية، خصوصا المواد التي تعد أساسية للأسر في كل مكان "الحبوب والزيوت وغيرها"، بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا التي لا تزال مستمرة حتى الآن، وأصابت المخاطر إمدادات الأسمدة، لأن هذه المواد تأتي بكميات كبيرة إلى الساحة الدولية من كلا البلدين المتحاربين روسيا وأوكرانيا. لكن يبقى الطلب على الغذاء العنصر الأهم في مواصلة البحث عن طرق مبتكرة لرفع مستوى الإنتاج الزراعي تحديدا، وعن مواد جديدة يمكن أن تسهم مباشرة في زيادة هذا الإنتاج في المرحلة المقبلة.
في بريطانيا يجري الحديث عن "ثورة" في مجال الأسمدة الزراعية عموما، عبر الكشف عن مادة أطلق عليها "بوليهاليت"، وهي عبارة عن أملاح مركزة، ما يجعلها سمادا متقدما، يرفع من وتيرة الإنتاج الزراعي عموما. وهذه المادة، جاءت عبر عمليات حفر في أعماق تصل إلى 340 مترا، وتؤكد الشركة الأمريكية - البريطانية التي تقوم بأعمال الحفر، وبناء الإنفاق المخصصة لنقل الإنتاج إلى الموانئ القريبة، أن الـ"بوليهاليت" ستغير قواعد العمل في الزراعة عموما، وستدفع بهذا الميدان نحو الأمام، خصوصا أن الدراسات الخاصة بالغذاء التي صدرت عن الأمم المتحدة، تؤكد الحاجة إلى 60 في المائة من السعرات الحرارية الإضافية بحلول 2050، مع تراجع وتيرة إنتاج الأغذية الصحية المطلوبة، أي إن مادة تحفز على الإنتاج الغذائي، ستكون ركيزة رئيسة بل واستراتيجية أيضا. وتصف الشركة هذه المادة بـ"غبار الذهب".
لكن الأمر ليس بهذه السهولة بعد. فمع حماس الشركة المنتجة للمادة المشار إليها، هناك من يقلل من أهميتها على الأقل في الوقت الراهن. أي إنه لا بد من أن تتضح الصورة تماما، من أجل أن يتم التعاطي مع الكشف الجديد باهتمام أكبر. وهناك جانب آخر، يتعلق بحصر الشركة على العمل بما يكفل لها الصورة البراقة على صعيد حماية البيئة. فهي من أكبر المؤسسات المنتجة للفحم وصناعة الصلب، ومعادن أخرى مثل البلاتين والألماس وغيرها. وهذا يضع المنتجين في موقع ليس قويا على صعيد التلوث البيئي عموما. وإذا ما فرضت مادة الـ"بوليهاليت" كعنصر أساسي في الإنتاج الزراعي، فإنها ستقوم بما يمكن تسميته "تخضير" إنتاجها العام.
ويبقى الأمر محصورا بمدى فاعلية المنتج المستقبلي المشار إليه، ولأنه ما زال في المرحلة الأولى، فإن الشكوك تحيط به، حتى إن أسهم الشركة الأمريكية - البريطانية تراجعت بأكثر من 31 في المائة منذ بداية العام الجاري. وهذا يعني أن الثقة بالمشروع لا تزال بعيدة عنه، وعن مساعي المؤسسة لتكريسه تنوع محفظتها الإنتاجية. والحق أن سوق الـ"بوليهاليت" لم تثبت بعد نجاحها حتى الآن، مقابل الأهمية الكبرى التي تتسم بها مادة البوتاس في الإنتاج الزراعي عموما. علما بأن هذه المادة الأخيرة يتم إنتاجها بكميات كبيرة في دول عديدة، وبتكاليف إنتاجية أقل بكثير من تلك اللازمة لإنتاج أملاح الـ"بوليهالت". غير أن هذا لا يعني أن الأمور ستمضي إلى الأسوأ، إذا ما ثبتت صحة تأكيدات الشركة المنتجة.
وفي النهاية مثل هذه المواد لا يمكن أن يتقرر مصيرها إلا عبر المزارعين والقائمين على الإمدادات الغذائية عموما. ولا شك في أن القدرات "السحرية" لهذه المادة - بحسب وصف الشركة المنتجة - ستغير بالفعل مستقبلا المشهد العام للإنتاج الزراعي. وفي المحصلة ستقرر السوق ما إذا كانت هذه المادة سحرية فعلا، أم عادية كغيرها من المواد المتوافرة في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي