دماء وأشلاء .. وعلى نفسها جنت براقش!

منذ بدء الخليقة كانت هناك الجريمة فقتل قابيل أخاه هابيل وندم بعدها قابيل ولكن بعد نزيف الدماء وسقوط الأخ البريء ميتا . هذا المشهد لم يتوقف عن المسرح لحياة الأمم, فوجد القتلة ووجد الأبرياء, وذاكرة التاريخ تحتفظ باغتيال أشرف الخلفاء عمر بن الخطاب والخليفة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنهما.
هذا يعني أن الجريمة تتوالد مع توالد البشر, وتنتشر حيثما هناك أبرياء يريدون أن يعيش المجتمع في أمن وأمان. ولكن الشرار تنازعهم نوازع الشيطان تحرضهم وتدمر ذواتهم وأمنهم النفسي فيأبون إلا أن يدمروا حياة الآخرين. النفس الآمنة لا تعيش إلا في الضوء, أما النفس المحرضة للشر والخاضعة لإرادة الشيطان والعدو الداخلي والخارجي, فلا يمكن لها إلا أن تعيش على أشلاء الأبرياء وتدمير أمنهم.
هذه هي الجريمة في السياق المجتمعي, ومنها تلك الجريمة التي حدثت عندما فجر الإرهابي نفسه في منزل الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ـ حفظه الله. جريمة هزت المجتمع استغرابا بالدرجة الأولى لتاريخ توقيتها في ليلة مباركة في شهر مبارك, ثم في موضعها, وهو منزل مفتوح للزائرين ترحيبا واستقبالا للمهنئين بهذا الشهر الفضيل!
ولكنها في الوقت نفسه كانت هزة زادت من ترابط أفراد المجتمع هنا وتماسكه أكثر. ومع أشلاء جسد ذلك المعتوه تطاير الشر الذي حمله في ذلك الجسد وذلك الرأس الذي فقد عقلانيته وبصيرته.
هذه الجريمة تكشف عن حقائق مؤلمة تفرض علينا جميعا أن نتوقف عندها, فالهدف ليس فقط شخص الأمير, بل أيضا أمن المجتمع ممثلا في رمز من رموز الوطن بل رمز ممن يحافظ على أمن الوطن والمواطن. تكشف لنا هذه المحاولة الحقائق التي لا يجب التقليل من أهميتها أو التساهل تجاهها. وأيضا الأهم هو أن نتحد جميعنا في المواجهة لا أن نختلف ويتهم بعضنا الآخر ونخلط الأوراق فنضع جميع الآراء التي نختلف معها أنها وراء هذه الجريمة, فقد قرأت من يوظف مواقفه تجاه البعض من العلماء وتصنيفها من أسباب هذه الجرائم.
هذه الجريمة بنوعيتها, وبردود الأفعال الفورية حولها وتوحد الرأي لمواجهتها لا بد أن تستثمر لمزيد من التماسك المجتمعي, فهي كما ذكرت لا تمس حياة الأمير فقط بل تمس الشبكة الاجتماعية وتهزها بقوة كي نستوعب أن الأشرار والمجرمين الذين يستظلون كذبا وادعاء بالإسلام هم شرائح في المجتمع تمكن منهم حبائل الشيطان وتحولوا طواعية إلى المنظومة الإجرامية التي تهدد أمننا وحياتنا.
وكما ذكر في بعض التحليلات أن الإرهاب ما زال يشكل خطراً كبيراً على مجتمعنا, وأنه قد غير في أدواته ووسائله وطرقه وأساليبه تغييراً نوعياً لا يستهان به. مما يتطلب منا أن نكون في مستوى هذه الوسائل وعيا وتحديا, وأن نستمر في حماية الأمن بمختلف الوسائل, وتجنيد مختلف الطاقات الشبابية كي نقف سدا أمام أي اختراق لها من هذه الخلايا التدميرية.
إن استهداف رموز الدولة وعناصر القوة في النظام بهدف إحداث خلخلة في القاعدة الأمنية, والإيحاء بأن هذه الفئة المنحرفة عن السياق المجتمعي لهذا الوطن, لديها المقدرة على الوصول إلى السياج الأمني للمجتمع متمثلا في شخص الأمير محمد, وهو من المشهود لهم بالعمل الجاد لتنقية الوطن من هذه الخلايا الإجرامية هي محاولات أخفقت ـ ولله الحمد ـ وماتت في مهدها, وكما قيل انقلب السحر على الساحر وعلى نفسها جنت براقش.
إن القتل والتدمير لأمن الناس والمجتمعات كالنار يستشري, وهو أمر جلل وخطير فالآية القرآنية التي توضح أن ''من قتل نفسا بغير نفس أو إفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا'', تمعنوا في ''فكأنما قتل الناس جميعا''. هذه الخطورة لا بد أن نتمكن من خلال تميز ونجاحات وزارة الداخلية في هذه المواجهة مع هؤلاء الإرهابيين سابقا والضربات الاستباقية التي مزقت تجمعهم, لا بد أن نسهم في استشعار هذه الخطورة في كل نفس وكل فرد يعيش في هذه الأرض التي هي مهوى أفئدة المسلمين, وهذا تميزها ـ ولله الحمد, والتي دعا لها النبي إبراهيم ـ عليه السلام ـ أن تكون ''آمنة ومهوى أفئدة الناس'', وستظل هكذا بحول الله.
إن مسؤولية الأمن للوطن الغالي لا يتحملها شخص بعينه أو جهة أو جهاز أمني فقط, بل إنها واجب ومسؤولية المجتمع بأكمله ولا ينبغي علينا أن نتخلي عن المسؤولية الاجتماعية تجاه هذه الأفعال الإجرامية, فكفانا ما حدث سابقا من تدمير وقتل.
إن الحفاظ على أمن المجتمع هو الجزء المحوري في المنظومة الوطنية والأخلاقية لأي فرد أو مجموعة أو جهاز أمني أو مدني.
نحمد الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذي حمى الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز, ونسأل الله أن يحمي الوطن من أعدائه في الداخل والخارج وأن يكون كل مواطن منا في مستوى المسؤولية للتصدي لأعداء العقيدة والوطن والأمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي