مرونة الاقتصاد الأمريكي لا يمكن إنكارها

 يختلف أصحاب التفكير الصائب حول ما إذا كان تراجع التضخم في الولايات المتحدة قد توقف بالفعل، وما قد يعنيه ذلك بالنسبة إلى السياسة النقدية التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي.
لكن لا يمكن أبدا إنكار صمود أساسيات الاقتصاد، ما يشير إلى أن محافظي "الفيدرالي" في الولايات المتحدة بإمكانهم التروي قبل خفض أسعار الفائدة القياسية.
أظهرت بيانات جديدة صدرت يوم الجمعة الماضي من مكتب التحليل الاقتصادي أنه حتى بعد التعديل وفقا للتضخم، فقد ارتفع الإنفاق الشخصي بنسبة 0.4 % في فبراير، وهو ما يتجاوز بشكل واضح متوسط تقديرات الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع "بلومبرغ" الذين توقعوا زيادة بـ0.1 %.
وفي اليوم السابق له، أظهرت تقارير منفصلة أن معنويات المستهلكين ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ يوليو 2021، وانخفضت مطالبات البطالة الأولية الأسبوعية، وانتعشت المبيعات المعلقة للمنازل في فبراير من انخفاض في يناير. في ظل اقتصاد يتفوق في أدائه باستمرار، ويخضع لمتابعة بشكل متواصل بشأن التصدعات، يتعذر إيجاد أي أخطاء في أحدث البيانات هذه.
تأتي هذه التطورات وسط علامات خفية على الخلاف حول لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية التي تحدد سعر الفائدة من حيث فهم تقارير التضخم الأخيرة.
أظهرت بيانات الجمعة أيضا أن مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي – وهو مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي – ارتفع بـ0.3 % في فبراير بعد زيادة بـ0.4 % في الشهر السابق.
أدت المخاوف هذا الشهر من أن الطريق نحو خفض التضخم تم قطعه، إلى زعزعة استقرار أجزاء من الأسواق المالية، في مواجهة سلسلة من تقارير التضخم المشجعة في النصف الثاني من عام 2023. اعتبر بعض المراقبين كل هذا بمنزلة صخب، في حين حذر آخرون من أن الأمر قد يكون علامة على تعثر تراجع التضخم، ما يستحق إعادة النظر من حيث عدد المرات التي قد يخفض فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا العام.

المعسكر المتفائل

يرى المعسكر المتفائل أن جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي تعامل مع البيانات بخطى سريعة. في مؤتمر صحفي عقد في 20 مارس، بعد أن أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي هدفه لسعر الفائدة الفيدرالية في نطاق يراوح بين 5.25 % و5.5 %، صرح للصحفيين بأن بيانات التضخم لشهر يناير ربما تأثرت بخلل إحصائي يعرف بالموسمية الزائدة، وأن بيانات فبراير لم تكن في الواقع "مرتفعة بشكل رهيب".
في ذلك الوقت، توقع أن يسجل التضخم الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي مستوى "أقل بكثير من 30 نقطة أساس"، وقد أثبتت الأرقام الرسمية التي صدرت يوم الجمعة صحة توقعاته، إذ إنه عند اختصارها إلى نقطتين عشريتين، تكون قد ارتفعت بنسبة 0.26 %، وهي لا تشكل كارثة بالنسبة إلى أي بنك مركزي يأمل في أن تصل القراءات إلى 0.2 % أو أقل. وبأخذ الأمرين معا، قال إن الأرقام "لم تغير حقا القصة الإجمالية، وهي أن التضخم يتراجع تدريجيا ويواجه مسارا وعرا في بعض الأحيان".
بدا كريستوفر والر محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر قلقا بعض الشيء، حيث قال يوم الأربعاء "إنه قد يكون من الضروري الآن إبقاء سعر الفائدة عند مستواها المتشدد الحالي ربما لفترة أطول مما كان يعتقد سابقا، من أجل إبقاء التضخم متجها نحو هدف البنك المركزي البالغ 2 %". وأشار أيضا إلى أن إضافة 275 ألف وظيفة إلى جداول الرواتب الأمريكية في فبراير قد تكون "علامة على أن الطلب لا يعتدل بالقدر المطلوب لدعم التقدم المستمر في التضخم".
أدت تصريحات باول في البداية إلى انخفاض عائدات السندات، فيما دفعتها تصريحات والر إلى الارتفاع، ما يؤكد تصور الخلاف. لكن كلا الرجلين اتفق بشكل أساسي على فكرة مفادها أنهما لا يستطيعان القول على وجه اليقين إلى أين تتجه الأسعار، وبدا الاقتصاد قويا بما يكفي لتحمل أسعار الفائدة الأعلى في هذه المرحلة. لم يحسم أي منهما قراره بشأن أي شيء سوى الانتظار. حتى والر أشار إلى إمكانية إقناعه بالبدء في خفض أسعار الفائدة بعد بضعة تقارير أفضل عن التضخم، ما يشير إلى أن شهري يونيو ويوليو لا يزالان حاسمين للغاية من حيث توقيت خفض أسعار الفائدة. ويبدو أن بيانات هذا الأسبوع تؤكد صحة كل ذلك.

صخب إحصائي
 
ما زلت متفائلا بشأن التضخم، لذا فإنني أميل إلى تأييد تفسير باول حول البيانات. إضافة إلى الموسمية الزائدة، فقد شاب أرقام شهر يناير صخب إحصائي واضح في فئة الإيجار المكافئ للمالكين - وهو مكون كبير يهدف إلى تمثيل التضخم الذي يعانيه أصحاب المنازل - وتعرضت بيانات شهر فبراير لضغوط بسبب أسعار تذاكر الطيران المتقلبة بشكل ملحوظ. أظن أن البيانات ستعود إلى المسار الصحيح خلال شهر أو شهرين.
لكن لا حاجة إلى استباق استنتاجات قبل أوانها. ولن تصبح خيارات السياسة صعبة إلا إذا ثبت خطؤنا أنا وباول، وظل التضخم مرتفعا بشكل عنيد لعدة أشهر أخرى، ما يؤدي إلى تمديد لعبة انتظار خفض أسعار الفائدة إلى الخريف أو ما بعده.
وعلى الرغم من أن بيانات الاقتصاد الكلي قوية اليوم، فإن هناك كثيرا من مجالات الضعف التي تعتري الاقتصاد العالمي المتصل بعضه ببعض. فالصين متذبذبة، والنمو الأوروبي هزيل، وعديد من البنوك المركزية تتجنب خفض أسعار الفائدة قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، ما يزيد خطر اندلاع حادث اقتصادي يبدأ في مكان آخر ولكنه يعود في نهاية المطاف إلى أمريكا الشمالية.
سلطة بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن الأسعار والبطالة داخلية فقط، ولكن صناع السياسات لا يستطيعون تجاهل العواقب العالمية أيضا.
لحسن الحظ أن البيانات تشير في الوقت الحالي إلى أن صناع السياسات لديهم الوقت الكافي لمراقبة تطور الوضع. وفي هذا الصدد، لا يبدو أن هناك كثيرا من الفارق بين باول ووالر.
خاص بـ "بلومبرغ"  

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي