أمريكا الجنوبية.. قراءة في قطاع الطاقة
تعد أمريكا الجنوبية إحدى قارات العالم التي تأخذ شكلها من حدودها المميزة بين المحيطين الأطلسي والهادي، إضافة إلى القارة القطبية الجنوبية. ومع أن الطاقة تعد أمرا حيويا لاقتصادات تلك القارة، إلا أنه توجد قضايا تشغل بال سكانها مثل عدم المساواة والفقر والتعليم والصحة وارتفاع معدل التضخم. وتمر المياه والطاقة والغذاء بمرحلة انتقالية مع تزايد الاعتماد على الطاقة المتجددة وتسارع التوسع الحضري والتغير المناخي الذي يؤثر في توافر المياه، وعليه تتأثر الطاقة المنتجة من المصادر الكهرومائية ونقلها مع الجفاف الحاصل في أمريكا الجنوبية. لقد اعتمدت أمريكا الجنوبية تاريخيا على السدود الكهرومائية الكبيرة والغاز الطبيعي والبترول والديزل والفحم لتغطية احتياجاتها من الطاقة، لكن مزيج الطاقة أفرز مجموعة من التحديات، منها الصراعات مع المجتمعات المحلية والسكان الأصليين والإعانات المتقطعة وتلوث الهواء والمياه الملوثة.
إن السمة البارزة للكهرباء في أمريكا الجنوبية هي الاستخدام واسع النطاق للطاقة الكهرومائية (تقارب 60 %) أي ضعف المتوسط العالمي. في حين يمكن العثور على أفضل مصادر طاقة الرياح والطاقة الشمسية في العالم في بلدان مثل البرازيل وتشيلي والأرجنتين، ينتشر استخدام الطاقة الحيوية بصورة واسعة. وإن ما يقرب من 21.8 مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء، بينما يعتمد أكثر من 80 مليون شخص على الحطب والفحم النباتي في الطهي الذي يتم حرقه في مواقد بدائية لا تتسم بالكفاءة في استهلاك الوقود. ومن المتوقع أن يزداد الطلب على الكهرباء في تلك القارة بمتوسط سنوي قدره 2.3 % في الفترة من 2022 إلى 2050 مع ازدياد النمو السكاني والاقتصادي.
تتنوع دول أمريكا الجنوبية من حيث التنمية الاقتصادية والموارد الطبيعية، فهي غنية بالوقود الأحفوري والطاقة المتجددة، فضلا عن المعادن المهمة سواء بإنتاج الوقود الحيوي في البرازيل، أو الطاقة الكهرومائية في البرازيل وفنزويلا وكولومبيا والأرجنتين وباراجواي، أو الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في البرازيل وتشيلي والأرجنتين. وتتميز أمريكا الجنوبية بإنتاج النحاس والليثيوم في تشيلي وبيرو والأرجنتين، وهي معادن ضرورية لتقنيات الطاقة المتجددة والبطاريات، ولا ننسى استغلال موارد البترول والغاز الطبيعي الهائلة في فنزويلا والبرازيل وكولومبيا والأرجنتين. ويشكل الوقود الأحفوري نحو ثلثي مزيج الطاقة في أمريكا الجنوبية، والبقية من مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء. ويهيمن الوقود الأحفوري أيضا على عديد من قطاعات الاستخدام النهائي، ويعتبر البترول على وجه الخصوص الوقود الأساسي المستخدم في النقل. ومع ذلك، فإن حصة الوقود الحيوي تبلغ ضعف المتوسط العالمي في النقل البري. لقد أصبحت أمريكا الجنوبية اليوم مصدرة للبترول والفحم لكنها مستوردة للمنتجات البترولية والغاز الطبيعي. ويمكن تحديد تحديات متعلقة بالطاقة في أمريكا الجنوبية، منها كفاءة أنظمة الطاقة، والقدرة على توليد الكهرباء على مستوى التوزيع، ومعالجة انقطاعات الكهرباء، وإيصال الخدمة الكهربائية للمشتركين، والتوسع في الربط الكهربائي بين دول أمريكا الجنوبية، وغيرها.
إن المسارات نحو كفاءة استخدام الطاقة تعتبر حديثة نسبيا، وتقوم معظم دول أمريكا الجنوبية بتنفيذ برامج تدعو إلى تركيب معدات منخفضة الاستهلاك وتعزيز الممارسات الفعالة. ختاما، إن كيفية استغلال دول أمريكا الجنوبية مواردها الطبيعية الهائلة ستشكل مستقبل الطاقة اللاتيني، والدور الذي ستلعبه في نظام الطاقة العالمي، وهي قادرة على الاطلاع بدور فعال في اقتصاد الطاقة العالمي، لأنها في وضع يسمح لها بالازدهار والتطور مع تقدم التحولات في مجال الطاقة المتجددة والمساهمة في تحقيق أهداف أمن الطاقة العالمي، والحد من التغير المناخي والوصول إلى هدف الانبعاثات الصفرية بحلول 2050، لكن توجد هناك تحديات بالجملة يجب عليها العمل لمعالجتها وإزالتها.