ماء الماء
تواجه السعودية، كغيرها من الدول العربية، تحديات مائية كبيرة ناتجة عن شح الأمطار وارتفاع معدلات الاستهلاك للفرد وتزايد التعداد السكاني والتطور والتطوير العمراني الكثيف ومستهدفات تشجير المناطق الواسعة داخلها وخارجها ضمن مبادرة السعودية الخضراء وارتفاع عدد السياح من الخارج، ما يشكل هاجسا حقيقيا يجب التنبه له واستشعار أهميتة من قبل الأفراد وعامة الناس قبل متخذي القرار، لأن التأثير يبدأ من مستوى الفرد لقيادة التغيير في النمط اليومي لاستهلاك المياه والتنعم بالمياه النظيفة بفضل الله. وتعد المياه من أهم محاور التطور الاقتصادي والاجتماعي وبمصداقية قوله تعالى "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، حيث يعد الماء عنصرا أساسيا في تلبية الاحتياجات البشرية، وإدارة البيئة، وضمان استدامة التطور الاقتصادي.
وعلى الرغم من أهمية المياه ومعلومية ذلك، إلا أن السعودية تواجه تحديات كبيرة نظرا للاستخدام غير المستدام لموارد المياه إضافة إلى محدودية مخزون المياه الجوفية غير المتجددة، التي تشهد استنزافا متسارعا متزامنا مع صنوف التنمية المتنوعة في أرجاء البلاد. وفي ظل تلك الظروف المناخية القاحلة التي تصنف بها السعودية، تعد المياه المتجددة نادرة على الرغم من أن الطلب المرتفع على المياه في القطاع الزراعي يفاقم من مشكلة هذه الندرة. وتشهد متطلبات المياه في السعودية التي قدرت بنحو 24.8 مليار متر مكعب عام 2015 مع زيادة سنوية ثابتة بنسبة 7 %، معدة قطاع الزراعة هو المستهلك الأكبر للمياة بنسبة 84 % من إجمالي الطلب على المياه، زيادة في الطلب، علمأ بأن القطاعات التنموية الأخرى ولا سيما السياحية والعقارية منها سيزداد الطلب فيها على المياه مع الاقتراب نحو عام 2030 وما بعده. أيضا تمثل المياه وخدمات الصرف الصحي في القطاع الحضري تكلفة مرتفعة على الدولة، وتحتاج مستويات الخدمة الحالية إلى تحسين الجودة لمواكبة الطلب العالي وتوفير سلاسل إمداد مستدامة ومرشدة حول السعودية، كما يتطلب القطاع بعض التحسينات الخاصة بالأوضاع المؤسسية وآليات الحوكمة لقطاع المياه.
وكما تطرقنا في مقال سابق حول الاستدامة والأمن الوطني، فإن الأمن المائي يعد عصبا أساسيا للحياة وقضية محورية لأمن واستقرار السعودية، ولذلك تعمل وزارة البيئة والمياه والزراعة على اتخاذ خطوات استراتيجية لضمان توفير المياه للأجيال القادمة من خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030 حيث قامت الوزارة بتطوير إطار مرجعي موحد لقطاع المياه يتضمن استراتيجية شاملة للمياه تعمل على دمج التوجهات والسياسات والتشريعات والممارسات في قطاع المياه على المستوى الوطني مع الهدف الرئيس المتمثل في مواجهة التحديات الرئيسة وإعادة هيكلة القطاع. ويتضمن العمل عديدا من العناصر بما في ذلك إشراك الجهات المعنية وتقييم الوضع الراهن للقطاع عبر مجموعة من الأبعاد مثل الطلب على المياه، وموارد المياه، وعمليات القطاع، والعوامل التمكينية، ويحدد طبيعة وحجم الثغرات بين العرض والطلب، إضافة إلى اقتصادات القطاع تحت سيناريوهات مختلفة تسعى إلى استدامة قطاع المياه وضمان استمرارية الإمدادات وفقا للطلب المتزايد يوما بعد يوم.
إن مثل هذه الاستراتيجيات تتطلب عملا دؤوبا لترجمتها إلى واقع ملموس، وهذا لن يحدث بمجرد إطلاق الاستراتيجية الوطنية للمياه، لكن بتكثيف الجهود المبذولة من قبل الوزارة والعاملين فيها وكذلك بتعاون جميع القطاعات الحيوية سواء العامة أوالخاصة وغيرها وصولا إلى الأفراد المواطنين والمقيمين والزوار، مستدلين بأدلة استرشادية للممارسات الأمثل للتقليل من استهلاك المياه في السعودية ومشاركين في تنمية مستدامة متنعمين بـ"ماء الماء" البارد الزلال في حر الصيف المنتظر!