مخاطر فرض ضريبة على تدفقات رأس المال إلى أمريكا
تمخض موسم الانتخابات في الولايات المتحدة عن عدد كبير من المقترحات السياسية الرديئة. واحد من أسوأها يتمثل في فكرة مفادها أن أمريكا ينبغي لها أن تسعى إلى تحقيق التوازن التجاري من خلال فرض الضرائب على اقتراض الولايات المتحدة من الأجانب. بموجب مثل هذه "الضريبة على تدفقات رأس المال إلى الداخل"، يصبح أي مقيم أمريكي يبيع أصلا (مثل سهم أو سند) لمقيم أجنبي مدينا لحكومة الولايات المتحدة بنسبة مئوية من المبلغ الذي يتلقاه. ولأن هذا من شأنه أن يجعل التمويل الأجنبي أكثر تكلفة، فسترتفع أسعار الفائدة وتكلفة رأس المال في مختلف قطاعات الاقتصاد.
الواقع أن أنصار فرض هذه الضريبة يقدمونها بديلا جذابا للرسوم الجمركية كوسيلة لتقليص العجز التجاري الأمريكي، الذي يعدونه مسؤولا عن مجموعة من المشكلات الاقتصادية. بطبيعة الحال، يحمل أغلب خبراء الاقتصاد المنتمين إلى التيار السائد وجهة نظر دقيقة بشأن العجز التجاري، وينظر إليه كثيرون بوصفه قضية ثانوية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، إذا كان يشكل أي قضية على الإطلاق. كانت الضرائب المفروضة على تدفق رأس المال إلى الداخل تستخدم على نحو متكرر على مر السنين في الاقتصادات النامية والناشئة، لكن المقترحات التي تنادي بتطبيقها في الأسواق المالية الأمريكية أحدث عهدا.
فرض ضريبة على تدفق رأس المال إلى الداخل فكرة سيئة. ففي حين قد تتسبب تدفقات رأس المال الحرة في إحداث وفرة من المشكلات في مواجهة الاقتصاد العالمي، فإن أفضل طريقة لمعالجة الارتباكات بأقل قدر من الضرر في أماكن أخرى هي من خلال التدخلات السياسية الموجهة على نطاق ضيق، وليس الأدوات الصريحة مثل ضريبة شاملة على التدفقات إلى الداخل.
إن فرض ضريبة على تدفقات رأس المال الواردة كبيرة بما يكفي لموازنة التجارة الأمريكية من شأنه أن يلحق الضرر الاقتصادي بالداخل والخارج بعدة طرق، لكن التأثير الأشد وضوحا سيكون ارتفاعا حادا في أسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة. فعندما تتجاوز واردات أي دولة ما تستطيع سداده من خلال صادراتها، فإنها لا بد أن تقترض من مقيمين أجانب لتغطية الفارق (تدفق رأس المال إلى الداخل). ومن المؤكد أن ضريبة تدفق رأس المال إلى الداخل من شأنها أن ترفع تكلفة الاقتراض الأجنبي بما يعادل قيمة الضريبة. ولكن ربما يكون من الأقل وضوحا أنها قد ترفع أيضا سعر الفائدة الذي يدفعه كل مقترض أمريكي على كل قرض، سواء كان مصدر التمويل محليا أو أجنبيا.
الأسوأ من ذلك أن كل هذه التداعيات ستتضخم إذا أدت ضريبة التدفقات إلى الداخل، كما يبدو مرجحا، إلى تقويض الثقة العالمية في سلامة الدولار الأمريكي وسيولة الأسواق المالية الأمريكية.
هذه السيناريوهات معقولة للغاية إذا كانت إدارة ترمب الجديدة جادة في السعي إلى خفض العجز التجاري. وكل الخيارات الأخرى التي يدرسها فريق ترمب التجاري فيما يبدو ــ التعريفات الجمركية التي قد تؤدي إلى زيادة العجز، ما لم تكن شديدة الارتفاع، وإضعاف قيمة الدولار، والضغط على شركاء التجارة الأجانب لن تؤدي ببساطة إلى إنجاز المهمة. الاستراتيجيتان الوحيدتان اللتان قد تكونان فعالتين على الفور هما خفض عجز الميزانية الفيدرالية، وهو أمر غير مرجح، أو فرض ضريبة على تدفقات رأس المال إلى الداخل. نظرا للدعم الحزبي السابق للضريبة، فقد تتحول إلى حقيقة واقعة بصرف النظر عن تشكيلة الكونجرس الأمريكي التالي. وسيكون هذا مؤسفا للغاية، لأن حجم عجز أمريكا التجاري يعد بين أتفه مشكلاتها.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.