إدارة الحشود قيمة مهمة للاقتصاد الوطني

التجربة السنوية للحج والقدرة على إدارة هذا العدد الهائل من ضيوف الرحمن تعد إمكانات يمكن لقليل من دول العالم إدارتها، فعند النظر إلى طبيعة هذه الشعيرة العظيمة، وهي الركن الخامس من أركان الإسلام نجدها تتطلب حركة لعدد هائل وتنقلا بين مختلف المواقع والمشاعر في وقت واحد، فهي تتطلب حركة مستمرة وانتقالا في فترة محدودة ووقت واحد ومواقع محددة، ما يعني أن هناك أهمية للتنسيق بدقة عالية وأي نوع من الخلل يمكن أن يكون له أثر كبير في ضيوف الرحمن، كما أن الفرق التي تعمل في مختلف القطاعات تتعامل مع شريحة صعبة جدا متفاوتة في طبيعتها وثقافتها ووعيها وفئتها العمرية ومستوى التعليم واختلاف في اللغات بما يشمل كل لغات العالم تقريبا، ما يعني أن هذا يولد صعوبة كبيرة على فرق العمل التي تتولى التنظيم كما أن هذه الفئات تتفاوت في قدرتها على تأدية هذه المناسك بين فئة الشباب التي لديها القدرة على التنقل بسلاسة وكبار السن والنساء والأطفال الذين قد يتعذر عليهم مجاراة فئة الشباب، ومع كل هذه الصعوبات إلا أن المملكة تتطور كل عام في مستوى الخدمات على اختلافها بما في ذلك الجزء الأصعب وهو الصحة والأمن وتنظيم الخدمات اللوجستية بكفاءة عالية بما في ذلك أصعب الحالات المرضية والأمراض المزمنة والتنقل المتزامن لأعداد هائلة وغيرها واستخدام وسائل متقدمة بما في ذلك الإخلاء الطبي.
هذه التجارب الصعبة والمعقدة انعكست على كفاءة عالية في إدارة المناسبات الكبرى بسلاسة في السعودية على مدى عقود إلا أن المرحلة الحالية وفي ظل عمل السعودية على تنويع مصادر الدخل، فإن القدرات في إدارة المناسبات عامة أصبحت مصدر دخل عاليا على أساس أنها قدرات لا تستطيع أي دولة تقديمها، كما أنها تتطلب تجارب وخبرات بما يجعل الدول والجهات ذات العلاقة بالتنظيم والأنشطة بمختلف صورها تختار الجهة المناسبة للتنظيم، وهذا ما يفسر الثقة العالية بالمملكة في تنظيم مناسبات دولية ولقاءات لرؤساء الدول علما أن المملكة معتادة على مثل هذه البرامج وعقدها في فترة قياسية.
من يعيش في المدن الكبرى ومنها مثلا مدينة الرياض يجد أن هناك مجموعة من الملتقيات والمعارض فضلا عن المراسم الترفيهية أو الرياضية والمجتمع يتعايش معها دون وجود ما يعكر الحركة العامة في المدينة، ما عزز من حجم الاستثمار في تنظيم المناسبات وما يتعلق بها من خدمات مساندة وهذا بلا شك سيكون له أثر اقتصادي كبير خصوصا فيما يتعلق بالخدمات التي تحتاج إليها تلك المناسبات، ما يعزز حجم تدفق النقد الأجنبي داخل البلاد وينمو معه الناتج المحلي على أساس أن مجموعة من الأنشطة الاقتصادية تستفيد من ذلك. قد يكون من المناسب عرض تجربة تنظيم الحج داخل مختلف المؤسسات التعليمية بما قد يضيف لطلابها مهارات مهمة في مسيرتهم المهنية، ويعزز جانب الوعي المجتمعي لإدراك أثر الالتزام والانضباط في إتمام ونجاح المناسبات المختلفة.
الخلاصة: إن تجربة تنظيم الحج هي تجربة استثنائية وتوثيقها بتفاصيلها هي مدرسة للأجيال وتاريخ تتناقله الأجيال وبلا شك أنه تمت الاستفادة منها في أنشطة مختلفة يمكن أن يكون لها عائد كبير على الاقتصاد الوطني، وتعزز من زيادة الناتج والمحلي، وتبرز المملكة كأحد أهم الوجهات عالميا لتنظيم المناسبات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.            
 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي